فَتَرَخصَ فِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَأَنَّهُمْ كلرِهُوهُ، وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ، فَبَلَغَهُ
ذَلِكَ، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ بَلَغَهُمْ عَنِّي أَمْرٌ تَرَخُّصْتُ فِيهِ، فَكَرِهُوهُ،
وَتتزَّهُوا عَنْهُ؟ فَوَاللهِ لأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً").
رجال هذا الإسناد: ستّة:
1 - (أَبُو الضُّحَى) مسلم بن صُبيح -بالتصغير- الْهَمَدانيّ الكوفيّ العطار
مشهور بكنيته، ثقةٌ فاضل [4] مات سنة مائة (ع) تقدم في "الطهارة" 22/ 635.
2 - (مَسْرُوقُ) بن الأجدع بن مالك الْهَمْدانيّ الوادعيّ، أبو عائشة الكوفيّ،
ثقةٌ فقيهٌ عابدٌ مخضرمٌ [2] (ت 2 أو 63) (ع) تقدم في "الإيمان" 17/ 227.
3 - (عَائِشَةُ) أم المؤمنين -رضي الله عنهما-، تقدّمت قبل بابين.
والباقون ذُكروا في الباب الماضي، و"جرير" هو: ابن عبد الحميد.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُداسيّات المصنّف رَحِمَهُ اللهُ، وأنه مسلسل بالكوفيين، غير شيخه،
فبغداديّ، وعائشة -رضي الله عنها-، فمدنيّة، وفيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن
بعض: الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، وفيه عائشة -رضي الله عنها- من المكثرين
السبعة، وأعلم نساء الأمة.
شرح الحديث:
(عَنْ عَائِشَةَ) -رضي الله عنها- أنها (قَالَتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمْرًا، فَتَرَخَّصَ فِيهِ)،
وفي رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية: "رَخَّص النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أمر"، يقال:
تَرَخَّصَ في الأُمُورِ: أَخَذَ فِيهَا بالرُّخْصَةِ، أفاده المرتضى (?)، والرُّخْصَةُ بالضمّ
وزانُ غُرفة، وتُضمّ الخاء للإتباع: التسهيل في الأمر، والتيسير، يقال: رَخَّصَ،
الشرع لنا في كذا تَرْخِيصًا، وأَرْخَصَ إِرْخَاصًا: إذا يسَّره، وسهّله، أفاده
الفيّوميّ (?).
وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: قول عائشة -رضي الله عنها-: "صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرًا،
فترخَّص فيه"؛ أي: فَعَل أمرًا ترك فيه التشديد؛ لأنه رُخِّص له فيه، كما قال في