قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقع في بعض النُّسخ: "آخر" بغير تنوين، ولا ألف، جَعَله

غير منصرف، وليس بصحيح الرواية، ولا المعني، إذ لا مانع من صرفه، لأنَّ

آخرًا هنا: هو الذي يقابل: أولًا، وكلاهما مصروف، وهو منصوبٌ على أنَّه

المفعول الثاني لـ"جَعَلَ"، لأنَّها بمعنى: صيَّر. ويَحْتَمِل أن يُتأوَّل في معنى

جعل: معنى أنزل، فيكون ظرفًا، أي: أنزلتنا منزلًا متأخرًا. وعلى الوجهين فلا

بدَّ من صرفه، وكذا وَجَدْنا من تقييد المحققين. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهَ - (?).

وفي رواية أبي الزناد: "فوَجَدَ سعد بن عبادة في نفسه، فقال: خُلِّفنا،

فكنا آخر الأربعة، وأراد كلام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فقال له ابن أخيه

سهل: أتذهب لتردّ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْره، ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلم، أوَ ليس

حسبك أن تكون رابع أربعة، فرجع". انتهى.

(فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("أَوَ لَيْسَ بِحَسْبِكُمْ) بإسكان السين المهملة؛ أي: كافيكم،

قال في "الفتح": وهذا يعارض ظاهر الرواية المتقدمة، فإن فيها أن سعدًا رجع

عن إرادة مخاطبة النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك لَمّا قال له ابن أخيه.

ويمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عن قَصْد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك خاصّة، ثم

إنه لمّا لقي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وقت آخر ذَكَر له ذلك، أو الذي رجع عنه أنه

أراد أن يورده مورد الإنكار، والذي صدر منه وَرَدَ مورد المعاتبة المتلطفة،

ولهذا قال له ابن أخيه في الأول: أتردّ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره؟ قاله في

"الفتح" (?).

(أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ؟ ") وُيروى"من الأخيار"، أي: الأفاضل؛ لأنهم

بالنسبة إلى مَنْ دونهم أفضل، وكأن المفاضلة بينهم وقعت بحَسَب السَّبْق إلى

الإسلام، وبحسب مساعيهم في إعلاء كلمة الله ونحو ذلك، والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي حُميد الساعديّ - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015