عليّ بن خزيمة في "فوائده" من طريق أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن
بلال بسنده إلى أبي حميد: "قال: أقبلنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى إذا دنا من
المدينة أخذ طريق غُراب؛ لأنَّها أقرب إلى المدينة، وترك الأخري، فساق
الحديث، ولم يذكر أوله، قال في "الفتح": واستفيد منه بيان قوله: "إني
متعجل إلى المدينة، فمن أحب فليتعجل معي"؛ أي: إني سالك الطريق
القريبة، فمن أراد فليأت معي؛ يعني: ممن له اقتدار على ذلك، دون بقية
الجيش. انتهى (?).
(وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ")؛ أي: فليتأخّر، ولا يتعجّل معي، قال أبو حميد:
(فَخَرَجْنَا) مسرعين معه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَتَّى أَشْرَفْنَا)؛ أي: قاربنا، واطّلعنا (عَلَى الْمَدِينَةِ،
فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (هَذِهِ طَابَةُ) اسم للمدينة، وهو غير منصرف؛ للعَلَمية والتأنيث،
ومعناها: الطيّبة، وسمّاها رسول الله لمجرِوّ بهذا الاسم، وكان اسمها في الجاهليّة
يثرب. (وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنا، وَنُحِبُّهُ") قيل: يعني به: أهل الجبل، وهم
الأنصار؛ لأنه لهم، فيكون مجازًا، كما في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
[يوسف: 82].
والصحيح أنه يحبه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه حقيقة، فلا حاجة إلى دعوى المجاز
بتقدير مضاف، وقد ثبت أنه ارتجّ تحته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له: "اثبُت، فليس عليك إلَّا
نبيّ، وصديق، وشهيدان"، وحَنّ الجذع اليابس إليه، حتى نزل، فضمّه، وقال:
"لو لَمْ أضمّه لحنّ إلى يوم القيامة"، وكلّمه الذئب، وسَجَد له البعير، وسلّم
عليه الحَجَر، وكلّمه اللحم المسموم أنه مسموم، فلا يُنْكَر حبّ الجبل له وحبّ
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنَّ خَيْرَ دُورِ الأنصَارِ) وفي رواية البخاريّ: "ألا أخبركم
بخير دور الأنصار"، وكلمة "إلا" للتنبيه، والخطابُ لمن كان معه من الصحابة،
والدور: جمع دار، نحو أَسَد وأُسْد، ويريد به القبائل الذين يسكنون الدور؛
يعني: المحالّ، قاله في "العمدة".
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "الدُّور": جَمْع دار، وهو في الأصل: المحلة،