[فإن قيل]: ما حكمة إلقاء هذا الحديث بصورة التأكيد بـ "إنّ"، والجملة

الاسمية، وليس المقام مقام إنكار؟ .

[قلنا]: قد يكون عَلِم منهم الغفلة عن مثل هذا في ذلك الوقت، فأراد

التنبيه عليه بتنزيلهم منزلة الغافلين عنه، كما في قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)} [المؤمنون: 15]، ولم يُنكر أحد الموت، لكن لما غلبت الغفلة عنه

حَسُن، أو بالنظر إلى غيرهم؛ لأنه أمر مستغرب فهو في مظنة الإنكار.

[فإن قيل]: محصول الخبر إفادة العلم بعرفانه حجراً كان يسلِّم، وهو

وهم كانوا يعلمون سلام الحجر وغيره عليه، فلم خصّه؟ .

[قلنا]: يَحْتَمِل أنه حجر ذو شأن عظيم، ولهذا نَكَّره تنكير تعظيم، ومن

ثَمّ قيل: هو الحجر الأسود، كما تقدّم، وبهذا المعنى يلسِّم مع خبر عائشة - رضي الله عنها -:

"لَمّا استقبلني جبريل بالرسالة جعلت لا أمرّ بحجر، ولا مَدَر، ولا شجر إلا

سَلَّم عليّ" (?).

قال ابن سيد الناس -رَحِمَهُ اللهُ-: وهذا التسليم يَحْتَمِل كونه حقيقةً بأن أنطقه الله

كما أنطق الْجِذع، وكَوْنَه مضافاً إلى ملائكة عنده من قبيل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، قال غيره: والصحيح الأول، معجزةً له كإحياء الموتى معجزة

لعيسى -عليه الصلاة والسلام- انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الذي ذكره ابن سيّد الناس ضعيف،

بل باطل، يُبطله سياق الحديث، فإنه - صلى الله عليه وسلم - ساقه لبيان ما أكرمه الله تعالى بهذا

الخارق للعادات، فلو كان ذلك سلام الملائكة لَمَا كان مستغرَباً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015