فإنا إنما نعلم منها أمورًا جُمْلية، لا تفصيلية، وأوصافًا لازمة، أو عَرَضية، لا

حقيقية، وسبيل العاقل ألّا يطمع في معرفة ما لم يُنْصَب له عليه دليل عقليّ،

ولا حسيّ، ولا مركَّب منهما؛ إلا أن يُخْبِر بذلك صادق، وهو الذي دلَّ الدليل

القطعيّ على صدقه، وهم الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- فإنَّهم دَلّت

على صدقهم دلائل المعجزات، وإذا كان كذلك، فسبيلنا أن نُعْرِض عن أحوال

المعرضين، ونتشاغل بالبحث عن ذلك في كلام الشارع، والمتشرّعين.

قال الإمام أبو عبد الله المازريّ: المذهب الصحيح ما عليه أهل السُّنَّة،

وهو أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب

اليقظان، وهو تبارك اسمه يفعل ما يشاء، وما يمنعه من فعله نوم، ولا يقظة،

وكانه سبحانه جعل هذه الاعتقادات عَلَمًا على أمور أُخَر يخلقها في ثاني حال،

أو كان قد خلقها.

وقال غيره: إن دثه تعالى مَلَكًا موكّلًا يَعْرِض المرئيَّات على المحل

المُدْرِك من النائم، فيمثّل له صورًا محسوسة؛ فتارة تكون تلك الصور أمثلة

موافقةً لِمَا يقع في الوجود، وتارة تكون أمثلة لمعاني معقولة غير محسوسة،

وفي الحالتين تكون مبشرة ومنذرة.

قال القرطبيّ: وهذا مِثل الأول في المعنى؛ غير أنه زاد فيه قضية الْمَلَك،

ويحتاج في ذلك إلى توقيف من الشرع؛ إذ يجوز أن يخلق الله تعالى تلك

التمثيلات من غير مَلَك. وقيل: إن الرؤيا إدراك أمثلة منضبطة في التخيل

جعلها الله إعلامأ على ما كان، أو يكون؛ وهو أشبهها.

فإنْ قيل: كيف يقال: إن الرؤيا إدراك مع أن النوم ضد الإدراك؛ فإنه من

الأضداد العامة؛ كالموت، فلا يجتمع معه إدراك؛

فالجواب: أن الجزء المدرِك من النائم لم يحلِّه النوم، فلم يجتمع معه،

فقد تكون العين نائمة، والقلب يقظان؛ كما قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن عيني تنامان،

ولا ينام قلبي"، وإنما قال: منضبطة التخيل؛ لأنَّ الرائي لا يرى في منامه إلا

من نوع ما أدركه في اليقظة بحسِّه، غير أنه قد تُركَب المتخيَّلات في النوم

تركيبأ يحصل من مجموعها صورة لم يوجد لها مثال في الخارج، تكون عَلَمًا

على أمر نادر؛ كمن يرى في نومه موجودًا رأسه رأس الإنسان، وجسده جسد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015