قال الحكيم الترمذيّ: الرؤيا الصادقة أصلها حق تُخبر عن الحقّ، وهو
بشرى، وإنذار، ومعاتبة؛ لتكون عونًا لِمَا نُدِب إليه، قال: وقد كان غالب أمور
الأؤَلين الرؤيا، إلا أنها قلَّت في هذه الأمة؛ لِعِظَم ما جاء به نبيّها -صلى الله عليه وسلم- من
الوحي، ولكثرة من في أمته من الصدِّيقين من الْمُحَدَّثين بفتح الدال، وأهل
اليقين، فاكتفَوْا بكثرة الإلهام والملْهَمين عن كثرة الرؤيا التي كانت في
المتقدِّمين.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وقد كان غالب أمور الأَوَّلين الرؤيا" لم
يذكر مستنده في هذا، فتنبّه، والله تعالى أعلم.-
وقال القاضي عياض: يَحْتَمِل قوله: الرؤيا الحسنة، والصالحة أن يرجع
إلى حُسن ظاهرها، أو صِدْقها، كما أن قوله: الرؤيا المكروهة، أو السوء
يَحْتَمِل سوء الظاهر، أو سوء التأويل.
وأما كتمها: مع أنها قد تكون صادقة، فخَفِيَتْ حكمته، وَيحتمل أن يكون
لمخافة تعجيل اشتغال سرّ الرائي بمكروه تفسيرها؛ لأنها قد تبطئ، فإذا لم
يُخبِر بها زال تعجيل رَوْعها وتخويفها، ويبقى إذا لم يعبِّرها له أحد بين الطمع
في أن لها تفسيرًا حسنًا، أو الرجاء في أنها من الأضغاث، فيكون ذلك أسكن
لنفسه، والله تعالى أعلم (?).
(المسألة السادسة): في ذكر ما قيل في كيفيّة الرؤيا:
قال القرطبيّ تعالى: : وقد اختلف الناس في حقيقة الرؤيا قديمًا وحديثًا،
فقال غير المتشرِّعين أقوالًا مختلفة، وصاروا فيها إلى مذاهب مضطربة، قد
عَرِيت عن البرهان، فأشبهت الهذيان، وسبب ذلك التخليط العظيم: الإعراض
عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم.
وبيان ذلك أن حقيقة الرؤيا إنما هي من إدراكات النفس، وقد غُيِّب عنا
عِلْم حقيقتها، وإذا لم يعلم ذلك لعدم الطريق الموصل إليه كان أحرى، وأَولى
ألّا نعلم ما غُيِّب عنا من إدراكاتها، بل نقول: إنا لا نعلم حقيقةَ كثير مما قد
انكشف لنا جملته من إدراكاتها؛ كحس السمع، والعين، والأذن، وغير ذلك،