فسُمِّي قلب المؤمن كَرْمًا؛ لِمَا فيه من الإيمان، والهدي، والنور، والتقوى،
والصفات المستحقّة لهذا الإسم، وكذلك الرجل المسلم، قال أهل اللغة:
يقال: رجلٌ كَرْمٌ، باسكان الراء، وامرأة كَرْمٌ، ورجلان كَرْمٌ، ورجال كَرْمٌ،
وامرأتان كَرْمٌ، ونسوة كَرْمٌ، كله بفتح الراء، وإسكانها، بمعنى كريم، وكريمان،
وكِرامٌ، وكريمات، وصفٌ بالمصدر، كضيف، وعَدْل، ذكره النوويّ (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: إنما سَمَّت العرب العنب بالكرم؛ لكثرة حَمْله،
وسهولة قطافه، وكثرة منافعه، وأصل الكرم: الكثرة، والكريم من الرجال هو:
الكثير العطاء، والنفع. يقال: رجل كريم، وكرام لمن كان كذلك. وكرّام؛ لمن
كثر منه ذلك، وهي للمبالغة. ويقال أيضًا: رجل كَرَم- بفتح الرَّاء-، وامرأة
كرم، ورجال كرم، ونساء كرم، وصفٌ بالمصدر على حدِّ: عدل، وزور،
وفطر.
وإنما نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن تسمية العنب بالكَرْم؛ لأنَّه لمّا حُرِّم الخمر
عليهم، وكانت طباعهم تحثهم على الكَرَم، كره أن يُسمَّى هذا المحرَّم باسم
يهيّج طباعهم إليه عند ذِكره، فيكون ذلك كالمحرِّك على الوقوع في المحرَّمات،
قاله أبو عبد الله المازريّ.
قال القرطبيّ: وفيه نظر؛ لأن محل النَّهي إنَّما هو تسمية العنب بالكَرْم،
وليست العنبة محرَّمة، وإنما المحرَّمة الخمر، ولم يُسمَّ الخمر عنبًا حتى ينهى
عنه، وإنَّما العنب هو الذي سُمي خمرًا باسم ما يؤول إليه من الخمرية، كما
قال تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، وقول أبي عبد الله: كره
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُسمَّى هذا المحرَّم باسم يهيج الطباع إليه؛ ليس بصحيح؛
لأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عن تسمية المحرَّم الذي هو الخمر بالعنب في هذا
الحديث، بل عن تسمية العنب بالكرم، فتأمله. وإنما محمل الحديث عندي
محمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المسكين بالطَّواف عليكم"، و"ليس الشديد بالصُّرعة،
وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"؛ أي: الأحق باسم الكرم
المسلم، أو قلب المسلم، وذلك لِمَا حواه من العلوم، والفضائل، والأعمال