وقال عياض: زعم بعض من لا تحقيق له أن الدهر من أسماء الله تعالى،
وهو غلط، فإن الدهر مدة زمان الدنيا، وعرّفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله
في الدنيا، أو فعِله لِمَا قبل الموت.
وقد تمسَّك الجهلة من الدهرية، والمعطلة، بظاهر هذا الحديث،
واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم؛ لأن الدهر عندهم حركات الفلك،
وأمد العالم، ولا شيء عندهم، ولا صانع سواه، وكفى في الردّ عليهم قوله في
بقية الحديث: "أنا الدهر، أُقَلِّب ليله، ونهاره"، فكيف يقلب الشيء نفسه؟
تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: لا يخفى أن من سبّ الصنعة فقد
سبّ صانعها، فمن سبّ نَفْس الليل والنهار، أقدم على أمر عظيم بغير معنى،
ومن سبَّ ما يجري فيهما من الحوادث، وذلك هو أغلب ما يقع من الناس،
وهو الذي يعطيه سياق الحديث، حيث نفى عنهما التأثير، فكأنه قال: لا ذنب
لهما في ذلك، وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف، فهذا
يضاف شرعًا ولغة إلى الذي جرى على يديه، ويضاف إلى الله تعالى؛ لكونه
بتقديره، فأفعال العباد من أكسابهم، ولهذا ترتبت عليها الأحكام، وهي في
الابتداء خَلْق الله، ومنها ما يجري بغير وساطة، فهو منسوب إلى قدرة القادر،
وليس لليل والنهار فعل، ولا تأثير، لا لغةً، ولا عقلًا، ولا شرعًا، وهو
المعنى في هذا الحديث، ويلتحق بذلك ما يجري من الحيوان غير العاقل، ثم
أشار بأن النهي عن سبِّ الدهر تنبيه بالأعلى على الأدنى، وأن فيه إشارةً إلى
ترك سبِّ كل شيء مطلقًا، إلا ما أَذِن الشرع فيه؛ لأن العلة واحدة، والله
أعلم. انتهى ملخصًا (?)، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه: