رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن حيات البيوت، فقال: "إذا رأيتم منهنّ شيئًا في
مساكنكم، فقولوا: أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان أن تؤذونا، فإن
عُدْن فاقتلوهنّ".
فلم يخص في هذا الحديث بيوت المدينة من غيرها، قال أبو عمر: وهو
عندي مُحْتَمِل للتأويل، والأظهر فيه العموم.
وقال آخرون: لا تُقتل ذوات البيوت من الحيات بالمدينة، أو بغير
المدينة.
واحتجوا بظاهر حديث أبي لبابة عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن قتل الجنّان
التي في البيوت، لم يخص بيتًا من بيت، ولا موضعًا من موضع، ولم يذكر
الإذن فيهن.
وقال آخرون: يقتل من حيات البيوت ذو الطفيتين والأبتر خاصّة
بالمدينة، وغيرها، من المواضع دون إذن، ولا إنذار، ولا يُقتل من ذوات
البيوت غير هذين الجنسين من الحيات.
واحتجوا بحديث أبي لبابة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن قتل الجنّان
التي تكون في البيوت، إلا أن يكون ذا الطفيتين، والأبتر، فإنهما يخطفان
البصر، ويطرحان ما في بطون النساء.
قال أبو عمر: وقد أجمع العلماء على جواز قتل حيات الصحاري صغارًا
كنّ، أو كبارا، أيَّ نوع كان الحيات.
قال أبو عمر: ترتيب هذه الأحاديث كلها المذكورة في هذا الباب،
وتهذيبها استعمال حديث أبي لبابة، والاعتماد عليه، فإن فيه بيانًا لِنَسخ قتل
حيات البيوت؛ لأن ذلك كان بعد الأمر بقتلها جملةً، وفيه استثناء ذي
الطفيتين، والأبتر، فهو حديث مُفَسَّرٌ، لا إشكال فيه لمن فَهِم، وعَلِم، وبالله
التوفيق.
ومما يدلّك على ذلك أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان قد سَمِع من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الأمر
بقتل الجنّان جملةَ، فكان يقتلهنّ حيث وجدهنّ، حتى أخبره أبو لبابة -رضي الله عنه- أن
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نهى بعد ذلك عن قتل عوامر البيوت منهنّ، فانتهى عبد الله بن عمر،
ووقف عند الآخِر مِنْ أَمْره -صلى الله عليه وسلم- على حسبما أخبره أبو لبابة. انتهى كلام أبي