والباقيان تقدّما في البابين الماضيين.

[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:

أنه من خماسيات المصنّف -رحمه الله-، وفيه رواية تابعيّ، عن تابعيّ، والابن،

عن أبيه.

شرح الحديث:

(عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ) الثقفيّ الطائفيّ (عَنْ أَبيهِ) الشّريد بن سُويد -رضي الله عنه-

أنه (قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ)؛ أي: أَصابه مرض الجُذام، قال

المجد: و"الْجُذَام" كغُرَاب: عِلّة تَحدُث من انتشار السوداء في البدن كلّه،

فيَفسُد مِزاجُ الأعضاء، وهيآتُها، وربّما انتهى إلى تآكل الأعضاء، وسقوطها عن

تقرّح، جُذِمَ كعُنِيَ، فهو مَجذومٌ، ومُجَذَّمٌ، وأجذم، ووهِمَ الجوهريّ في منعه.

انتهى.

وقال الفيّوميّ: الجَذْمُ القطع، وهو مصدرٌ، من باب ضَرَبَ، ومنه يقال:

جُذِمَ الإنسان بالبناء للمفعول: إذا أصابه الْجُذَام؛ لأنه يقطَعُ اللحم، ويُسقطه،

وهو مجذوم، قالوا: ولا يقال فيه من هذا المعنى: أجذم وِزانُ أحمر. انتهى.

قال الجامع: قد عرفت أن المجد خطّأ الجوهريّ في هذا، وأثبت جواز

أجذم. فتنبّه. والله تعالى أعلم.

(فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ، فَارْجعْ") ولفظ النسائيّ: "ارْجِعْ،

فَقَدْ بَايَعْتُكَ"؛ أي: ولم يأخذ -صلى الله عليه وسلم- بيده عند المبايعة، تخفيفًا عن المجذوم

والناس؛ لئلا يشقّ عليه الاقتحام معهم، فيتأذّى هو في نفسه، ويتأذّى به

الناس.

وقد روى الترمذيّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه أكل مع مجذوم، فقال: "باسم الله،

توكّلًا على الله"، وقد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فِرّ من المجذوم كما تفرّ من

الأسد"، رواه البخاريّ. وهذا الخطاب إنما هو لمن يجد في نفسه نَفْرة طبيعيّة،

لا يقدر على الانتزاع منها، فأمَره بالفرار؛ لئلّا يتشوّش عليه، ويغلبه وَهْمه، وليس

ذلك خوفًا لعدوى، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُعدي شيءٌ شيئًا"، وقال: "لا عدوى"،

وقال للأعرابيّ: "فمن أعدى الأول؟ ". قاله القرطبيّ، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015