منصب النبوة، ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدَّى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا

أن تجويز هذا يُعْدِم الثقة بما شرعوه من الشرائع؛ إذ يَحْتَمِل على هذا أن يُخَيَّل

إليه أنه يرى جبريل، وليس هو ثَمَّ، وأنه يوحَى إليه بشيء، ولم يوح إليه بشيء،

قال المازريّ: وهذا كله مردود؛ لأنَّ الدليل قد قام على صدق النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما

يبلغه عن الله تعالي، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه،

فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطلٌ، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي

لَمْ يُبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عُرْضة لِمَا

يعترض البشر، كالأمراض، فغير بعيد أن يُخَيَّل إليه في أمر من أمور الدنيا ما

لا حقيقة له، مع عصمته. عن مثل ذلك في أمور الدين، قال: وقد قال بعض

الناس: إن المراد بالحديث أنه كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخيل إليه أنه وطىء زوجاته، ولم يكن

وطأهن، وهذا كثيرًا ما يقع تخيله للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يُخَيَّل إليه في

اليقظة.

قال الحافظ: وهذا قد ورد صريحًا في رواية ابن عيينة عند البخاريّ،

ولفظه: "حتى كان يَرَى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن"، وفي رواية الحميديّ:

"أنه يأتي أهله، ولا يأتيهم"، قال الداوديّ: "يُرَى" بضم أوله؛ أي: يَظُنّ،

وقال ابن التين: ضبطت "يَرَى" بفتح أوله، قال الحافظ: وهو من الرأي، لا

من الرؤية، فيرجع إلى معنى الظنّ.

وفي مرسل يحيى بن يعمر، عند عبد الرزاق: "سُحِر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن

عائشة، حتى أنكر بصره"، وعنده في مرسل سعيد بن المسيِّب: "حتى كاد يُنكر

بصره"، قال عياض (?): فظهر بهذا أن السحر إنما تسلَّط على جسده، وظواهر

جوارحه، لا على تمييزه، ومعتقده.

ووقع في مرسمل عبد الرَّحمن بن كعب، عند ابن سعد: "فقالت أخت

لبيد بن الأعصم: إن يكن نبيًّا، فسيُخْبَر، وإلا فسيذهله هذا السحر. حتى يذهب

عقله"، قال الحافظ: فوقع الشق الأول، كما في هذا الحديث الصحيح.

وقد قال بعض العلماء؛ لا يلزم من أنه كان يظنّ أنه فعل الشيء، ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015