وفيه أيضًا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرقّ المواضع، وأسرعها نفاذًا،
فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء.
الثاني: هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الإصابة، وقبل
الاستحكام، فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف
المذكورة كما مضى: "ألّا بَرَّكتَ عليه؟ "، وفي رواية ابن ماجة: "فلْيَدْع
بالبركة"، ومثله عند ابن السنيّ من حديث عامر بن ربيعة.
وأخرج البزار، وابن السنيّ من حديث أنس، رفعه: "من رأى شيئًا،
فأعجبه، فقال: ما شاء الله، لا قوة إلَّا بالله، لَمْ يضرّه". انتهى (?).
الثالث: قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي حديث سهل - رضي الله عنه - من الفقه أبواب:
فمنها: جَبْرُ العائن على الوضوء المذكور على الوجه المذكور، وقيل: لا يُجبر،
وأن من اتُّهِم بأمر أُحضر للحاكم، وكُشف عن أمره، وأن العين قد تَقتُل؛
لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "علام يقتل أحدكم أخاه"، وأن الدعاء بالبركة يُذْهب أثر العين
بإذن الله تعالي، وأن أثر العين إنما هو عن حسد كامن في القلب، وأن من
عُرف بالإصابة بالعين مُنع من مُداخلة الناس دفعًا لضرره، قال بعض العلماء:
يأمره الإمام بلزوم بيته، وإن كان فقيرًا رزقه ما يقوم به، وكفّ أذاه عن الناس،
وفيه جواز النُّشرة، والتطبّب بها.
قال: لو انتهت إصابة العين إلى أن يُعرف بذلك، ويُعلم من حاله أنه
كلما تكلّم بشيء معظّما له، أو متعجّبًا منه أصيب ذلك الشيء، وتكرّر ذلك
بحيث يصير ذلك عادة، فما أتلفه بِعَيْنه غَرِمه، وإن قتل أحدًا بعينه عامدًا لقتله
قُتِل به؛ كالساحر القاتل بسحره عند من يقتله كفرًا، وأما عندنا - يعني:
المالكيّة - فيُقتل على كلّ حال، قَتَل بسحره أو لا؛ لأنه كالزنديق. انتهى كلام
القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.