بنفسه إلى مفعولين، ومن كلامهم: "وَهَبَنِي الله فداك"؛ أي: جعلني، لكن لم
يُسْمَع في كلام فصيح، وزيد مَوْهُوبٌ له، والمال مَوْهُوبٌ، واتّهَبْتُ الهِبةَ:
قبلتها، واسْتَوهَبْتُها: سألتها، وتَواهَبُوا: وهب بعضُهم لبعض، قاله
الفيّوميّ رحمه اللهُ (?).
وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: وسؤال الزبير - رضي الله عنه - لها أن تهبه ثمن الجارية دليل
على أن الزوج ليس له أن يتحكم عليها في مالها بأخذ، ولا غيره؛ إذ لا ملك
له في ذلك، إنَّما له فيه حقّ التجمُّل، وكفاية بعض المؤن، ولذلك منعناها من
إخراج كل مالها، أو جلَّه، كما تقدَّم في النكاح. انتهى (?).
(قَالَتْ) أسماء - رضي الله عنها - (إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهَا)؛ أي: بتلك الدراهم، قال
القرطبيّ رحمه اللهُ: وَهِبَتُها لثَمن الجارية من غير إذن الزبير دليل على جواز هبة
المرأة بعض مالها بغير إذن الزوج، لكن إن أجازه الزوج جاز، وإن مَنَعَه، فإن
كان الثلث فَدُوْن لم يكن له المنع، وإن كان أكثر كان له منع الزائد على الثلث
على ما تقدَّم؛ هذا إذا وَهَبَتْه لأجنبي؛ فإنْ وهبته لزوجها، فلا يفرَّق بين ثلث
ولا غيره؛ لأنَّها إذا طابت نفسها بذلك جاز، ولأن الفرق بين الثلث وغيره إنما
كان لحقّ الزوج؛ لئلا تُفَوِّت عليه ما له فيه من حقّ التجمُّل، ولئلا يمنعها أيضًا
من إعطاء ما طابت به نفسها، فينفذ عطاؤها في الثلث، ويردّ فيما زاد عليه،
وقيل: يردُّ في الجميع، وهو المشهور. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: التقييد بالثلث مما لا دليل عليه، بل الأدلّة
الكثيرة تدلّ على الجواز مطلقًا، ومنها حديث قصّة أسماء هذا، وحديث ابن
عباس - رضي الله عنهما - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج، ومعه بلال، فظنّ أنه لم يُسمع،
فوعظهنّ، وأمرهنّ بالصدقة، فجعلت المرأة تُلقي القُرْط والخاتم، وبلال يأخذ
في طرف ثوبه" متفقٌ عليه، فلم يستفصلهنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هل هو ثلث مالهنّ أم لا؟
فدلّ على التقييد بالثلث غير معتبَر، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.