وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "على رسلكما" الرِّسل -بكسر الراء-: الرفق
واللين، وليس فتح الراء فيه معروفًا، والرِّسل بالكسر أيضًا: اللَّبن، وقد أرسل
القوم؛ أي: صار لهم اللبن في مواشيهم، والرَّسَل بفتح الراء والسين: القطيع
من الخيل، والإبل، والغنم، وجَمْعه: أرسال، يقال: جاءت الخيل أرسالًا؛
أي: قطيعًا قطيعًا. انتهى (?).
(إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ") وفي رواية سفيان: "هذه صفيّة".
ووقع في مختصر القرطبيّ بلفظ: "إنما هي صفيّة"، فقال في "شرحه":
"إنما" هنا لتحقيق المتصل بها، وتمحيق المنفصل عنها، كقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ
إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171]؛ أي: الإلهية متحققة له، منفيَّة عن غيره، فكأنه
قال: هذه صفيَّة لا غيرها؛ حَسْمًا لذريعة التُّهم، وردًا لتسويل الشيطان،
ووسوسته، كما قد نصَّ عليه، وإذا كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يتَّقي مواقع التهم مع قيام
الأدلة القاطعة على عصمته كان غيره بذلك أَولى. انتهى (?).
(فَقَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ) زاد في رواية البخاريّ: "وكَبُر عليهما"،
وفي رواية له: "وكَبُر عليهما ما قال"، وفي رواية: "فكبُر عليهما ذلك"، وفي
رواية: "فقال: يا رسول الله، هل نظنّ بك إلا خيرًا؟ ".
وقال القرطبيّ رحمه الله: وقول الرجلين: "سبحان الله" معنى هذه الكلمة في
أصلها: البراءة لله من السُّوء، لكنها قد كَثُر إطلاقها عند التعجب، والتفخيم،
أو الإنكار، كما قال تعالى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]،
وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس"، ومثله كثير، وهذا الموضع
منها، فكأنهما قالا: البراءة لله تعالى من أن يخلق في نفوسنا ظنَّ سَوْءٍ بنبيِّه -صلى الله عليه وسلم-،
ولذلك قال في الرواية الأخرى: "ومن كنت أظن به، فلم أكن أظن بك".
انتهى (?).
(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ) وفي رواية:
"فقال: إني خِفْتُ أن تظنّا ظنًّا، إن الشيطان يجري ... " إلى آخره، وفي رواية: