حديث أنس -يعني: الحديث الذي قبل هذا- بالإفراد، ووَجْهه ما قدّمته من أن
أحدهما كان تبعًا للآخر، فحيث أَفرد ذكر الأصل، وحيث ثَنَّى ذكر الصورة.
انتهى.
وقال القرطبيّ: وذكر في الرواية الأخرى: أنه كان رجلًا واحدًا؛ فيَحْتَمِل
أن يكون هذا في مرتين، وَيحْتَمِل أن يكون النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أقبل على أحدهما بالقول
بحضرة الآخر، فتصح نسبة القصَّة إليهما جمعًا وإفرادًا، والله تعالى أعلم.
انتهى (?).
وفي رواية البخاريّ من طريق شعيب، عن الزهريّ: "ثم قامت تنقلب،
فقام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مَرّ
رجلان من الأنصار، فسلّما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
(فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَسْرَعَا)؛ أي: في المشي، وفي رواية معمر: "فنظرا
إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم أجازا"؛ أي: مضيا، يقال: جاز، وأجاز بمعنًى، ويقال:
جاز الموضع: إذا سار فيه، وأجازه: إذا قطعه، وخَلَّفه، وفي رواية ابن أبي
عتيق: "ثم نَفَذَا"، وهو بالفاء، والذال المعجمة؛ أي: خَلَّفاه، وفي رواية
عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهريّ، عند ابن حبان: "فلما رأياه استحييا،
فرجعا"، فأفاد سبب رجوعهما، وكأنهما لو استمرّا ذاهبين إلى مقصدهما ما
ردّهما، بل لَمّا رأى أنهما تركا مقصدهما، ورجعا ردّهما. (فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم: "عَلَى رِسْلِكُمَا) -بكسر الراء، وفتحها لغتان (?)، والكسر أفصح وأشهر؛ أي:
على هِينتكما في المشي، فليس هنا شيء تكرهانه، وفيه شيء محذوف،
تقديره: امشيا على هينتكما، وفي رواية معمر: "فقال لهما النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: تعاليا"،
وهو بفتح اللام، قال الداوديّ: أي قِفَا، وأنكره ابن التين، وقد أخرجه عن
معناه بغير دليل، وفي رواية سفيان: "فلما أبصره دعاه، فقال: تعال"، ذكره في
"الفتح" (?).