وقد أخرج ابن مردويه، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: في خل رجل على
النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فأطال الجلوس، فخرج النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرّات ليخرج، فلم يفعل،
فدخل عمر، فرأى الكراهية في وجهه، فقال للرجل: لعلك آذيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -،
فقال النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "لقد قمت ثلاثاً، لكي يتبعني، فلم يفعل"، فقال له عمر: يا
رسول الله، لو اتخذت حجاباً، فإن نساءك لسن كسائر النساء، وذلك أطهر
لقلوبهنّ، فنزلت آية الحجاب. انتهى (?).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قولها: "فأُنزِل الحجابُ"؛ أي: آية الحجاب؛ وهي
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}، إلى
قوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} الآية [الأحزاب: 53]، كذلك
رُوي عن أنس، وابن مسعود - رضي الله عنهما -. غير أن هذا يتوجَّخه عليه إشكال، وهو أن
حديث أنس، وابن مسعود يقتضي أن سبب نزولها هو أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حين أعرس
بزينب اجتمع عنده رجال، فجلسوا في بيته، وزوجته مُوَلِّيَةٌ وجهها إلى الحائط،
فأطالوا المجلس حتى ثقلوا عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وحديث
عائشة - رضي الله عنها - يقتضي أن الحجاب إنَّما نزل بسبب قول عمر - رضي الله عنه -: "احجُب
نساءك"، ويزول ذلك الإشكال بأن يقال: إن الآية نزلت عند مجموع السَّببين،
فيكون عمر قد تقدَّم قوله: "احجُب نساءك"، وكرر ذلك عليه إلى أن اتَّفَقَت
قصّة بناء زينب، فصدقت نسبة نزول الآية لكل واحد من ذينك السَّببين.
انتهى (?).
وقال في "العمدة: قال الكرمانيّ: الحجاب؛ أي: حكم الحجاب؛
يعني: حجاب النساء عن الرجال، فأنزل الله آية الحجاب، وَيحْتَمِل أن يراد
بآية الحجاب الجنس، فيتناول الآيات الثلاث: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الآية [الأحزاب: 59]،
وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]،
وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ