(قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَقُولُ)؛ أي: لضرّتي، ففي حديث أسماء - رضي الله عنها - الآتي

بعدُ: "أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن لي ضرّة، فهل عليّ جُناح إن تشبّعتُ

من زوجي غير الذي يُعطيني؟ "، وقولها: (إِنَّ زَوْجِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِنِي)

مقول "أقول"، و"ما" هي المفعول الثاني لـ "أعطاني"، والعائد محذوف، كما

قال في "الخلاصة":

...................... وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلِي

فِي عَائِدٍ مُتَّصِل إِنِ انْتَصَبْ ... بِفِعْلٍ اوْ وَصْفٍ كَـ "مَنْ نَرْجُو يَهَبْ"

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ) بالبناء للمفعول، قال أبو

عبيد - رَحِمَهُ اللهَ -: أي: المتزيِّن بما ليس عنده، يتكثّر بذلك، ويتزيّن بالباطل؛ كالمرأة

تكون عند الرجل، ولها ضَرّة، فتَدَّعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده،

تريد بذلك غيظ ضرّتها، وكذلك هذا في الرجال، وقوله: (كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ")

قال العلماء: معناه المتكثر بما ليس عنده، بأن يُظهر أن عنده ما ليس عنده يتكثر

بذلك عند الناس، ويتزين بالباطل فهو مذموم، كما يُذَمّ من لبس ثوبي زور.

قال أبو عبيد وآخرون: هو الذي يلبس ثياب أهل الزهد، والعبادة،

والورع، ومقصوده أن يُظهر للناس أنه متصف بتلك الصفة، ويظهر من

التخشع، والزهد أكثر مما في قلبه، فهذه ثياب زور ورياء، وقيل: هو كمن

لبس ثوبين لغيره، وأَوْهَم أنهما له، وقيل: هو من يلبس قميصًا واحدًا، ويَصِل

بكمّيه كمّين أَخرين، فيُظهر أن عليه قميصين.

وحَكَى الخطابيّ قولا آخر: أن المراد هنا بالثوب: الحالة، والمذهب،

والعرب تَكْني بالثوب عن حال لابسه، ومعناه أنه كالكاذب القائل ما لَمْ يكن،

وقولًا آخر: أن المراد: الرجل الذي تُطلب منه شهادة زور، فيلبس ثوبين

يتجمّل بهما، فلا تردّ شهادته؛ لِحُسْن هيئته، والله أعلم، ذكره النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).

وقال في "الفتح": قال أبو عبيد: وفيه وجه آخر أن يكون المراد بالثياب:

الأنفس؛ كقولهم: فلان نَقِيّ الثوب، إذا كان بريئًا من الدنس، وفلان دَنِس

الثوب، إذا كان مَغْموصًا عليه في دِينه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015