وجمع الطبري بأن من صبغ منهم كان اللائقَ به، كمن يُستشنع شيبه،
ومن ترك كان اللائقَ به، كمن لا يُستشنع شيبه، وعلى ذلك حُمل قوله - صلى الله عليه وسلم - في
حديث جابر - رضي الله عنه - الذي أخرجه مسلم في قصة أبي قحافة - رضي الله عنه -، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -
لَمّا رأى رأسه كأنها الثُّغَامة بياضاً: "غَيِّروا هذا، وجنِّبوه السواد"، ومثله حديث
أنس - رضي الله عنه -.
وزاد الطبري، وابن أبي عاصم من وجه آخر، عن جابر: "فذهبوا به،
فحمّروه". و"الثغامة" - بضم المثلثة، وتخفيف المعجمة-: نبات شديد البياض
زهره وثمره، قال: فمن كان في مثل حال أبي قحافة استُحِبّ له الخضاب؛
لأنه لا يحصل به الغرور لأحد، ومن كان بخلافه فلا يستحب في حقه، ولكن
الخضاب مطلقاً أَولى؛ لأنه فيه امتثال الأمر في مخالفة أهل الكتاب، وفيه
صيانة للشعر عن تعلق الغبار وغيره به، إلا إن كان من عادة أهل البلد تَرْك
الصبغ، وأن الذي ينفرد بدونهم بذلك يصير في مقام الشهرة، فالترك في حقه
أَولى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: فالترك أولى، هذا الكلام فيه
خطر؛ لأنه يؤدّي إلى ترك السُّنَّة، متعلّلأ بعدم عمل الناس بها، والواجب على
المسلم إذا ترك الناس العمل بها إحياؤها، وأي كتاب نطق، وأيّ سُنَّة أمرت
بترك السُّنَّة؛ لأجل ترك الناس لها؛ خوفاً من الشهرة؟ ، إن هذا لهو العجب من
مثل الحافظ المدافع عن السُّنَّة، والقائم بالذّبّ عنها أن يتكلّم به، أو ينقله من
غيره، ويسكت عليه. والله المستعان.
وقال بعضهم: من كان في موضعٍ عادة أهله الصبغ، أو تَرْكه، فخروجه
عن العادة شهرة، ومكروه. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله هذا البعض مما زلّ به
القدم، وطغى فيه القلم، فهل إذا ترك أهل بلد سُنَة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون
إحياء تلك السُّنَّة، والعمل بها شهرة ومكروهاً؟ إن هذا لهو الفساد العريض، إذ
يترتب عليه أنه لا وجه في هذا الزمن الذي تَرَك فيه معظم الناس كثيراً من
السنن، وأحدثوا بدلها بدعاً أن يقوم أحد بإحياء تلك السنن، بل يهجرها، إن
هذا لهو العجب العجاب! والله تعالى المستعان على مثل هذا الباطل.