البخاريّ، ومسلم على الاحتجاج بحديثه. وقول من قال: إنه عبد الكريم بن
مالك الجزريّ هو الصواب، فإنه قد نسبه بعض الرواة في هذا الحديث، فقال
فيه: "عن عبد الكريم الجزريّ"، وعبد الكريم بن أبي المخارق من أهل
البصرة، نزل مكّة، وأيضاً فان الذي روى عن عبد الكريم هذا الحديث هو
عبيد الله بن عمرو الرَّقّيّ، وهو مشهور بالرواية عن عبد الكريم الجزريّ، وهو
أيضاً من أهل الجزيرة. انتهى كلام المنذريّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قد صحح الحديث غير واحد، وحسّنه، وخطّؤوا ابن
الجوزيّ في نسبته إلى الوضع. والله تعالى أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كون عبد الكريم هو الجزريّ هو الحقّ،
كما هو في رواية أبي داود السابقة، وكذا صرّح الحافظ المزيّ في "تحفته" (?)
بأنه الجزريّ، فالحديث صحيح دون شك، فهو حجة ظاهرة في النهي عن
الصبغ بالسواد، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
3 - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: للخضاب فائدتان:
[إحداهما]: تنظيف الشعر مما يتعلّق به من الغبار، والدخان.
[والأخرى]: مخالفة أهل الكتاب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا اليهود والنصارى،
فإنهم لا يصبغون". انتهى (?).
4 - (ومنها): أنه استَنْبَط ابنُ أبي عاصم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جنِّبوه السواد" أن
الخضاب بالسواد كان من عادتهم، وذكر ابن الكلبيّ أن أول من اختضب
بالسواد من العرب عبد المطلب، وأما مطلقاً ففرعون (?)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في خضب اللحية والرأس،
وتركه:
قال في "الفتح": وقد اختُلف في الخضب، وتركه، فخضب أبو بكر،
وعمر وغيرهما - رضي الله عنهم -، كما تقدم، وتَرَك الخضاب عليّ، وأُبي بن كعب،
وسلمة بن الأكوع، وأنس، وجماعة - رضي الله عنهم -.