وأخرج البخاريّ - رحمه الله - في "الأدب المفرد" بسند صحيح، عن ابن
عمر - رضي الله عنهما -: "إذا سلمتَ، فأسمع، فإنها تحيّة من عند الله".
واستدلّ بالأمر بإفشاء السلام أنه لا يكفي السلام سرّاً، بل يُشترط
الجهر، وأقلّه أن يُسمَع في الابتداء، وفي الجواب.
قال النوويّ - رحمه الله -: أقلّه أن يرفع صوته بحيث يُسمِع المسلَّمَ عليه، فإن لم
يُسمعه لم يكن آتياً بالسُّنَّة، ويستحبّ أن يرفع صوته بقدر ما يتحقّق أنه سمعه،
فإن شكّ استظهر، وُيُستثنى من رفع الصوت بالسلام ما إذا دخل على مكان،
فيه أيقاظ، ونيام، فالسُّنَّة فيه ما تقدّم في "صحيح مسلم" عن المقداد - رضي الله عنه -،
قال: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الليل، فيسلّم تسليماً، لا يُوقظ نائماً، وُشمِع
اليقظان".
ولا تكفي الإشارة باليد ونحوه، وقد أخرج النسائيّ في "عمل اليوم
والليلة" بسند جيّد، عن جابر - رضي الله عنه -، رفعه: "لا تسلّموا تسليم اليهود، فإن
تسليمهم بالرؤوس والأكفّ".
ويُستثنى من ذلك حالة الصلاة، فقد وردت أحاديث جيّدة أنه - صلى الله عليه وسلم - ردّ
السلام، وهو يصلي إشارةً، منها: "حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رجلاً سلّم على
النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو يُصلي، فردّ عليه إشارةً"، ومن حديث ابن مسعود نحوه.
وكذا من كان بعيداً، بحيث لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارةً،
ويتلفّظ مع ذلك بالسلام، وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء، قال: يُكره السلام
باليد، ولا يكره بالرأس.
ونقل النوويّ، عن المتولّي أنه قال: يُكره إذا لقي جماعة أن يخصّ
بعضهم بالسلام؛ لأن القصد بمشروعيّة السلام تحصيل الألفة، وفي التخصيص
إيحاشٌ لغير من خصّ بالسلام. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى: ويدلّ لِمَا قاله المتولي: ما أخرجه البخاريّ
في "الأدب المفرد" بسند صحيح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه مزّ رجل، فقال:
السلام عليك يا أبا عبد الرحمن، فردّ عليه، ثم قال: "إنه سيأتي على الناس