قال القاضي عياض - رحمه الله -: واختلفوا في المراد بالحديث، فقيل: هو
إخبار عن الكفار من ملوك العجم، وغيرهم، الذين عادَتُهم فعل ذلك، كما قال
في الحديث الآخر: "هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة"؛ أي: هم
المستعملون لها في الدنيا، وكما قال - صلى الله عليه وسلم - في ثوب الحرير: "إنما يلبس هذا من
لا خلاق له في الآخرة"؛ أي: لا نصيب، قال: وقيل: المراد نهيُ المسلمين
عن ذلك، وأن من ارتكب هذا النهي استوجب هذا الوعيد، وقد يعفو الله عنه،
هذا كلام القاضي.
قال النوويّ - رحمه الله -: والصواب أن النهي يتناول جميع من يستعمل إناء
الذهب، أو الفضة، من المسلمين والكفار؛ لأن الصحيح أن الكفار مخاطبون
بفروع الشرع، والله أعلم.
وأجمع المسلمون على تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب، وإناء
الفضة، على الرجل، وعلى المرأة، ولم يخالف في ذلك أحد من العلماء، إلا
ما حكاه أصحابنا العراقيون أن للشافعيّ قولاً قديماً أنه يُكره، ولا يَحْرُم،
وحَكَوا عن داود الظاهريّ تحريم الشرب، وجواز الأكل، وسائر وجوه
الاستعمال، وهذان النقلان باطلان، أما قول داود فباطل؛ لمنابذة صريح هذه
الأحاديث في النهي عن الأكل والشرب جميعاً، ولمخالفة الإجماع قبله، قال
أصحابنا: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب، وسائر الاستعمال في
إناء ذهب، أو فضة، إلا ما حُكي عن داود، وقول الشافعيّ في القديم، فهما
مردودان بالنصوص، والإجماع، وهذا إنما يحتاج إليه على قول من يعتدّ بقول
داود في الإجماع والخلاف، وإلا فالمحققون يقولون: لا يُعتدّ به لإخلاله
بالقياس، وهو أحد شروط المجتهد الذي يُعتدّ به.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله النوويّ في حقّ داود الظاهريّ
قول مردود باطلٌ، فليس هناك محقّق قال بهذا، بل المحقّقون من زمان داود
إلى يومنا هذا لا يزالون يعتدّون بخلاف داود وغيره من الظاهريّة، ويعتبرونهم
من الأئمة المعتبَرين في الوفاق والخلاف، وقد حقّقت هذا البحث في "كتاب
الطهارة" من شرح النسائيّ، فراجعه تستفد علماً جمّاً، وبالله تعالى التوفيق.
قال: وأما قول الشافعيّ القديم، فقال صاحب "التقريب": إن سياق كلام