وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة - رضي الله عنه - رأس المكثرين السبعة، روى
(5374) حديثًا، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "طَعَامُ الِاثْنَيْنِ)؛
أي: المُشْبع لهما، (كَافِي الثَّلَاثَةِ)؛ أي: لِقُوْتِهم، (وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ)؛ أي:
المشبع لهم (كَافي الأَرْبَعَةِ")؛ أي: لِقُوْتِهم.
وفي حديث جابر - رضي الله عنه - الآتي بعد هذا عند مسلم مرفوعًا: "طعام الواحد
يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية"،
وعند ابن ماجة من حديث عمر - رضي الله عنه -: "إن طعام الواحد يكفي الاثنين، وإن
طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، وإن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة"،
وقال المهلَّب: المراد بهذه الأحاديث الحضّ على المكارمة، والتقنع بالكفاية؛
يعني: وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية، وإنما المراد المواساة، وأنه
ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما، ورابع أيضًا بحَسَب من يحضر.
وعند الطبرانيّ ما يرشد إلى العلة في ذلك، وأوله: "كُلُوا جميعًا، ولا
تفرَّقوا، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين ... " الحديث، فيؤخذ منه أن الكفاية
تنشأ عن بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما كثر زادت البركة.
وقيل: معناه: إن الله يضع من بركته فيه ما وَضع لنبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيزيد حتى
يكفيهم.
قال ابن العربيّ: وهذا إذا صحّت نيّتهم، وانطلقت ألسنتهم به، فإن
قالوا: لا يكفينا قيل لهم: البلاء موكَّل بالمنطق.
وقال العز بن عبد السلام في "الأمالي": إن أُريدَ الإخبار عن الواقع
فمُشْكِلٌ؛ لأنَّ طعام الاثنين لا يكفي إلَّا اثنين، وإن كان له معنى آخر، فما
هو؟ .
والجواب من وجهين: أحدهما: أنه خبر بمعنى الأمر؛ أي: أطعموا
طعام الاثنين الثلاث، والثاني: أنه للتنبيه على أنَّ ذلك يَقُوت الثلاث، وأخبرنا
بذلك لئلا نجزع، والأول أرجح؛ لأنَّ الثاني معلوم. انتهى.