والحاصل أنه تأخر عند النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى صلى العشاء، ثم تأخر حتى نعس
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقام لينام، فرجع أبو بكر حينئذ إلى بيته.
ووقع في رواية أبي داود من رواية الْجُريريّ عن أبي عثمان، أو أبي
السليل، عن عبد الرَّحمن بن أبي بكر قال: "نزل بنا أضياف، وكان أبو بكر
يتحدث عند النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: لا أرجع إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء"،
ونحوه عند البخاريّ في "كتاب الأدب" من طريق أخرى عن الجريريّ، عن أبي
عثمان، بلفظ: "أن أبا بكر تضيّف رهطًا، فقال لعبد الرَّحمن: دونك أضيافك،
فإني منطلق إلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فافرغ من قِراهم قبل أن أجيء"، وهذا يدلّ على أنَّ
أبا بكر أحضرهم إلى منزله، وأمر أهله أن يضيّفوهم، ورجع هو إلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
ويدلّ عليه صريح قوله في حديث الباب: "وإن أبا بكر جاء بثلاثة". انتهى (?).
(فَلَبِثَ) أبو بكر - رضي الله عنه - عند النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قال
الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: نَعَسَ يَنْعُسُ، من باب قتل، والاسم النُّعَاسُ، فهو نَاعِسٌ،
والجمع نُعَّسٌ، مثل راكع ورُكَّع، والمرأة ناعسة، والجمع نَوَاعِسُ، وربما قيل:
نَعْسَانُ، ونَعْسَى، حملوه على وَسْنان ووسني، وأول النوم النُّعَاسُ، وهو أن
يحتاج الإنسان إلى النوم، ثم الوَسَنُ، وهو ثقل النُّعَاسُ، ثم التَّرْنِيقُ، وهو
مخالطة النُّعاس للعين، ثم الكَرَي، والغَمْضُ، وهو أن يكون الإنسان بين النائم
واليقظان، ثم العَفْقُ، وهو النوم، وأنت تسمع كلام القوم، ثم الهُجُودُ،
والهُجُوعُ، وصحّ أن أهل الجَنَّة لا ينامون؛ لأنَّ النوم موت أصغر، قال الله
تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42]،
وكثيرًا ما يُحمل الشيء على نظيره، قال الفراء: وأحسن ما يكون ذلك في
الشِّعر، قال الأزهريّ: حقيقة النُّعَاسِ: الوَسَنُ من غير نوم. انتهى (?).
(فَجَاءَ) أبو بكر إلى بيته (بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ) كناية عن طول
الوقت الذي غاب فيه أبو بكر عن أضيافه، (قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ) أم رُومان،
واسمها زينب، وقيل: غيرها، (مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ؟ ) "ما" استفهاميّة