إحدى سوآتك يا مقداد": معناه أنه كان عنده حُزْن شديدٌ خوفًا من أن يدعو

عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لكونه أذهبَ نصيب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وتَعَرّض لأذاه، فلما عَلِمَ أن

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد رَوِيَ، وأُجيبت دعوته، فَرِح، وضَحِك، حتى سقط إلى الأرض

من كثرة ضحكه؛ لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه سُرورًا بشرب

النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإجابة دعوته لمن أطعمه، وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد،

وظهور هذه المعجزة، ولتعجّبه من قُبح فِعله أوّلًا، وحُسْنِه آخرًا، ولهذا

قال - صلى الله عليه وسلم -: "إحدى سوآتك يا مقداد"؛ أي: إنك فعلتَ سَوءةً من الفعلات، ما

هي؟ فأخبره خَبَره، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما هذه إلا رحمة من الله تعالى"؛ أي:

إحداث هذا اللبن في غير وقته، وخلاف عادته، وإن كان الجميع من فضل الله

تعالى. انتهى (?).

(قَالَ) المقدادل - رضي الله عنه - (فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِحْدَى سَوْآتِكَ) خبر لمحذوف؛

أي: هذه الحالة، وهي حالة كثرة الضحك إحدى حالاتك التي تسوء، وتعيب

لك (يَا مِقْدَادُ") قال القاضي عياض -رحمه الله- في "المشارق": قوله: "إحدى سوآتك

يا مقداد" كذا لأكثر شيوخنا، وعند ابن الحذاء، والهوزنيّ من طريق ابن

ما هان: "أخبرني" مكان "إحدى"، وعند ابن الحذاء "شرابك" مكان "سوآتك"،

والصواب الأول؛ أي: إن ضحكك، وما صنعتَ من أحد أفعالك السيئة،

وجاء في بعض النسخ: "ما شأنك يا مقداد؟ ". انتهى (?).

(فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ مِنْ أَمْرِي كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلْتُ كَذَا)؛ أي: من

شُرب نصيبه - صلى الله عليه وسلم - بتسويل الشيطان له، (فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذِهِ)؛ أي: الخصلة

التي حصلت في هذه الليلة من شُرب اللبن الذي نزل من الأعنز اللاتي حُلبن،

وجفّ ضرعهنّ، (إِلَّا رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ) -سبحانه وتعالى-.

وحاصل ما أشار إليه في قوله: "ضحكت حتى سقطت إلى الأرض" إلى

قوله: هذه رحمة من الله" أن ضحكه - رضي الله عنه - كان من كمال سروره، وزوال حزنه؛

لأنه لَمّا شَرِب نصيبه - صلى الله عليه وسلم - خاف أشدّ الخوف من أن يدعو عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولَمّا

قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أطعم من أطعمني ... إلخ"، وعَلِم أن دعاءه - صلى الله عليه وسلم - مستجابٌ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015