على طعام قليل لا يكفيهم، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ ") هكذا
النسخة: "أرسلك" بهمزة واحدة، فتقدّر همزة الاستفهام، ولفظ البخاريّ:
"آرسلك أبو طلحة؟ "، (قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: "أَلِطَعَامٍ؟ ")؛ أي: أرسلك
لأجل آكل طعامًا؟ (فَقُلْتُ: نَعَمْ) ظاهره- كما قال في "الفتح"- أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -
فَهِم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله، فلذلك قال لمن عنده: "قوموا"، وأول
الكلام يقتضي أن أم سليم، وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس، فيُجْمَع بأنهما
أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيأكله، فلما وصل أنس،
ورأى كثرة الناس حول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استحيى، وظهر له أن يدعو النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليقوم
معه وحده إلى المنزل، فيحصل مقصودهم من إطعامه.
وَيحْتَمِل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله، عَهِد إليه إذا رأى كثرة الناس
أن يستدعي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وحده؛ خشيةَ أن لا يكفيهم ذلك الشيء هو ومن معه،
وقد عَرفوا إيثار النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنه لا يأكل وحده.
قال الحافظ: وقد وجدت أن أكثر الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعى
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه الواقعة، ففي رواية سعد بن سعيد، عن أنس: "بعثني أبو
طلحة إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأدعوه، وقد جَعَل له طعامًا"، وفي رواية عبد الرحمن بن
أبي ليلى، عن أنس: "أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لنفسه خاصّةً،
ثم أرسلتني إليه"، وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس:
"فدخل أبو طلحة على أمي، فقال: هل من شيء؟ فقالت: نعم، عندي كِسَرٌ
من خبز، فإن جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده أشبعناه، وإن جاء أحد معه قلّ
عنهم"، وجميع ذلك عند مسلم.
وفي رواية مبارك بن فَضالة: "أن أبا طلحة قال: اعجنيه، وأصلحيه،
عمسى أن ندعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيأكل عندنا، ففعلت، فقالت: ادع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، عند أبي نعيم،
وأصله عند مسلم: "فقال لي أبو طلحة، يا أنس اذهب، فقم قريبًا من
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه، ثم اتّبعه، حتى إذا قام على
عتبة بابه، فقل له: إن أبي يدعوك".