والدي -يعني: تقي الدين السبكيّ- نظائر هذه المسألة في كتاب له سمّاه
"كشف اللبس عن المسائل الخمس"، ونصر القول بأن الأمر فيها للوجوب.
قال الحافظ: ويدلّ على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل
بالشمال، ففي "صحيح مسلم" من حديث سلمة بن الأكوع، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى
رجلًا يأكل بشماله، فقال: "كُلْ بيمينك"، قال: لا أستطيع، قال: "لا
استطعتَ"، فما رفعها إلى فيه بَعْدُ.
وأخرج الطبراني من حديث سُبيعة الأسلمية، من حديث عقبة بن عامر،
أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها، فقال: "أخذها داء غَزّة"،
فقال: إن بها قرحةً، قال: "وإن"، فمرّت بغزّة، فأصابها طاعون، فماتت،
وأخرج (?) محمد بن الربيع الجيزيّ في "مسند الصحابة" الذين نزلوا مصر،
وسنده حسن.
وثبت النهي عن الأكل بالشمال، وأنه من عمل الشيطان، من حديث ابن
عمر، ومن حديث جابر، عند مسلم، وعند أحمد بسند حسن عن عائشة،
رفعتهه: "من أكل بشماله أكل معه الشيطان ... " الحديث.
ونقل الطيبيّ أن معنى قوله: "إن الشيطان يأكل بشماله"؛ أي: يحمل
أولياءه من الإنس على ذلك؛ ليضادّ به عباد الله الصالحين، قال الطيبيّ:
وتحريره: لا تأكلوا بالشمال، فإن فعلتم كنتم من أولياء الشيطان، فإن الشيطان
يَحْمِل أولياءه على ذلك. انتهى.
وتعقّبه الحافظ، وأجاد في ذلك، فقال: وفيه عدول عن الظاهر، والأَولى
حمل الخبر على ظاهره، وأن الشيطان يأكل حقيقةً؛ لأن العقل لا يحيل ذلك،
وقد ثبت الخبر به، فلا يحتاج إلى تأويله.
وحَكَى القرطبيّ في ذلك احتمالين، ثم قال: والقدرة صالحة.
وقد صرح ابن العربيّ بإثم من أكل بشماله، واحتجّ بأن كل فِعل يُنْسَب
إلى الشيطان حرام. انتهى (?).