والمعنى في ذلك أن الشياطين تجول بالبيوت والدُّور بالليل، وفيهم مَرَدَة
تؤذي بدروب من الأذي، وذلك معروف في أفعالهم في كتاب العلماء، ومعلوم
بالمشاهدات في أزمنة شتي، وهم لنا أعداء، وحسبك بفعل العدوّ، قال الله
تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف: 50].
قال: وأمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإطفاء المصباح رفقًا بأمته، وحياطة عليهم،
وأدبًا لهم، وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون"، رواه الزهريّ،
عن سالم بن عبد الله بن عمر، من أبيه، عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن حديث عطاء بن
يسار، عن جابر، قال: سمعت سول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا سمعتم نُباح الكلاب،
أو نُهاق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم، فإنهنّ يرون ما لا
تَرَوْن، وأَقِلّوا الخروج إذا هدأت الرِّجْلُ، فإن الله تعالى يبث من خلقه في ليله
ما شاء، وأجيفوا الأبواب، واذكروا اسم الله عليها، فإن الشيطان لا يفتح بابًا
أُجيف، وذُكر اسم الله عليه، وغَطّوا الْجِرار، وأكفئوا الآنية، وأوكوا القِرَب".
قال أبو عمر: قد أَتَى في هذا الحديث شرطُ التسمية في الباب إذا
أجيف، وجاء في غيره أيضًا ماثله في تغطية الإناء، أو قلبه، إن الشيطان لا
يعترضه إذا سُمِّي الله تعالى عليه عند ذلك الفعل به، وهذه زيادة على ما جاء
في حديث أبي الزبير، عن جابر.
وفي حديث القعقاع بن حكيم، عن جابر - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"غَطّوا الإناء، وأوكوا السقاء، كإن في السَّنَة ليلةً ينزل بها وباء، لا يمرّ بإناء
ليس عليه غطاء، أو سقاءٍ ليس عليه وِكاء إلَّا نزل فيه من ذلك الوباء".
قال الليث بن سعد - وهلأ أحد رواة هذا الحديث -: والأعاجم يتقون
ذلك في كانون الأول.
وفي حديث عطاء بن أبي رباح، عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"خمِّروا الآنية، وأوكوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، وكُفُّوا صبيانكم عند
المساء، فإن للجنّ انتشارًا، وخَطْفةً". انتهى كلام ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ - " (?)، وهو
بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.