بترك التشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ وتاب من
المعاصي ونحوهم، أفاده العينيّ.
وقال المناويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "وبشّرا" بفضل الله تعالي، وعظيم ثوابه،
وجزيل عطائه، وسعة رحمته، وشمول عفوه، ومغفرته، من التبشير، وهو
إدخال السرور، والبشارة: الإخبار بخبر سارّ، وقوله: "بشّرا" بعد قوله: "يسّرا"
فيه جناس خطيّ، ولم يكتف به، بل أردفه بقوله: "ولا تنفرا" لِمَا مرّ؛ وهو من
التنفير؛ أي: لا تذكرا شيئًا تهزمون منه، ولا تصدروا بما فيه الشدّة، وقابَل به
"بشّرا" مع أن ضد البشارة النذارة؛ لأنَّ القصد من النذارة التنفير، فصرّح
بالمقصود منها.
قال: ومن جعل معنى "يسّرا" اصرفا وجوه الناس إلى الله في الرغبة فيما
عنده، وردّاهم في طلب الحوائج إليه، ودلّاهم في كلّ أحوالهم، ومعنى: "لا
تعسّرا" لا تردّاهم إلى الناس في طلب ما يحتاجونه، فقد صرف اللفظ عن
ظاهره بلا ضرورة.
وهذا الحديث كما قال الكرمانيّ وغيره من جوامع الكلم؛ لاشتماله على
الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء، فأمَر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل، وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالجميل، والإخبار
بالسرور تحقيقًا لكونه رحمةً للعالمين في الدارين، وفيه الأمر بالتيسير بسعة
الرحمة، والنهي عن التنفير بذكر التخويف؛ أي: من غير ضمّه إلى التبشير،
وتأليف من قَرُب إسلامه، وتَرْك التشديد عليه، والأخذ بالأرفق، وتحسين الظن
بالله، لكن لا يجعل وَعْظَه كله رجاءً، بل يشوبه بالخوف، فيجعلهما كأدنى
حافر، والعلم والعمل كجناحي طائر. انتهى ببعض تصرّف (?) (2).