قال العلامة ابن قُدامة - رحمه الله - ما حاصله: يُشتَرط أن يُرسل الجارحةَ على الصيد، فإن استرسَلَت بنفسها، فقتلت لم يُبَح، وبهذا قال ربيعة، ومالكٌ، والشافعيّ، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال عطاءٌ، والأوزاعيّ: يؤكل صيده إذا أخرجه للصيد. وقال إسحاق: إذا سمّى عند انفلاته أُبيح صيده. وروَى بإسناده عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه سُئل عن الكلاب، تَنفَلِتُ من مَرَابضها، فتصيد الصيد؟ قال: اذكر اسم الله، وكلْ. قال إسحاق: فهذا الذي أختار إن لم يتعمّد هو إرساله من غير ذِكر اسم الله عليه. قال الخلّال: هذا على معنى قول أبي عبد الله.

واحتجّ الأولون بقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أرسلت كلبك، وسمّيتَ، فكل"، ولأن إرسال الجارحة جُعل بمنزلة الذبح، ولهذا اعتُبرت التسمية معه. وإن استرسل بنفسه، فسمّى صاحبه، وزجره، فزاد في عَدْوه أُبيح صيده؛ وهذا قول أحمد، وأبي حنيفة؛ لأن زَجْره أثّر في عَدْوه، فصار كما لو أرسله، وذلك لأن فِعل الإنسان متى انضاف إلى فعل غيره، فالاعتبار بفعل الإنسان، بدليل ما لو صال الكلب على إنسان، فأغراه إنسان، فالضمان على من أغراه. وقال الشافعيّ: لا يُباح، وعن مالك كالمذهبين. وإن أرسله بغير تسمية، ثم سمّى وزجره، فزاد عَدْوه، فظاهر كلام أحمد أنه يُباح؛ لأنه انزجر بتسميته وزَجْره، فأشبه التي قبلها. وقال القاضي: لا يُباح صيده؛ لأن الحكم يُعلّق بالإرسال الأول، بخلاف ما إذا استرسل بنفسه، فإنه لا يتعلّق به حظر، ولا إباحة. انتهى كلام ابن قُدامة بتصرّف، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب.

(المسألة الخامسة): في أقوال أهل العلم في اشتراط كون الكلب وغيره مُعَلَّمًا:

قال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: تعليم الكلب وغيره مما يُصاد به هو تأديبه على الصيد، بحيث يأتمر إذا أُمر، وينزجر إذا زُجر، ولا يُختلف في هذين الشرطين في الكلاب، وما في معناها من سباع الوحوش، واختُلف فيما يُصاد به من الطير، فالمشهور أن ذلك مشترَط فيها. وذكر ابن حبيب أنه لا يُشترط أن تنزجر إذا زُجرت، فإنه لا يتأتّى ذلك فيها غالبًا، فيكفي أنه إذا أُمرت أطاعت. قال: والوجود يشهد للجمهور، بل الذي لا ينزجر نادرٌ فيها، وقد شرَط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015