وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن مات في سبيل الله فهو شهيد" فمعناه بأيّ صفة مات، وقد سبق بيانه، قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضّل الله تعالى بسبب شدتها، وكثرة ألمها.
وقد جاء في حديث آخر في "الصحيح": "مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد"، وسَبَق بيانه في "كتاب الإيمان".
وفي حديث آخر صحيح: "مَن قُتل دون سيفه فهو شهيد".
قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلِّهم غير المقتول في سبيل الله: أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيُغْسَلون، ويُصَلَّى عليهم، وقد سبق في "كتاب الإيمان" بيان هذا، وأن الشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو مَن غَلَّ في الغنيمة، أو قُتل مُدْبِرًا. انتهى (?).
وقال القرطبيّ - رحمه الله - بعد ذكر الغَرِق، وصاحب الهدم، والحريق ما نصّه: وهؤلاء الثلاثة إنما حَصَلت لهم مرتبة الشهادة لأجل تلك الأسباب؛ لأنهم لم يُغَرِّروا بنفوسهم، وفرَّطوا في التحرّز، ولكن أصابتهم تلك الأسباب بقضاء الله تعالى وقَدَره، فأما من غرّر، أو فَرّط في التحرّز حتى أصابه شيء من ذلك، فمات فهو عاصّ، وأمْره إلى الله تعالى، إن شاء عذّبه، وإن شاء عفا عنه. انتهى (?)، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [51/ 4932] (1914)، و (البخاريّ) في "الأذان" (653) و"الجهاد" (2829) و"الطبّ" (5733)، و (الترمذيّ) في "الجنائز" (1063)، و (النسائيّ) في "الكبرى" (4/ 363)، و (مالك) في "الموطأ" (1/ 131)،