ولكن هذا النقل في وفاة أبي أمامة ليس بصحيح، فإنه صَحّ عن عبد الله بن كعب، أنه قال: حدثني أبو أمامة، كما ذكره مسلم في الرواية الثانية، فهذا تصريح بسماع عبد الله بن كعب التابعيّ منه، فبَطَل ما قيل في وفاته، ولو كان ما قيل في وفاته صحيحًا، لم يخرّج مسلم حديثه، ولقد أحسن الإمام أبو البركات الجزريّ، المعروف بابن الأثير، حيث أنكر في كتابه "معرفة الصحابة - رضي الله عنهم -" هذا القول في وفاته، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذكره النوويّ رحمه الله حسنٌ جدًّا، ومنه يتبيّن غلط ما كتبه أصحاب برنامج الحديث (صخر) حيث كتبوا لأبي أمامة المذكور في هذا الحديث ترجمة: صُدَيّ بن عَجْلان الصحابيّ المشهور، فليُتنبَّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) زاد في الرواية التالية: "الحارثيّ" - رضي الله عنه - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ: مَنِ اقْتَطَعَ) افتعال من القطع للمبالغة، قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وهو الأخذ هنا؛ لأن من أخذ شيئًا لنفسه، فقد قطعه عن مالكه (?). (حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِم بِيَمِينِهِ) أي بسبب يمينه الكاذبة (فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ") قال القرطبيّ: أي إذا كان مستحلًّا لذلك، فإن كان غير مستحلّ، وكان ممن لم يُغْفَر له، فيعذّبه الله تعالى في النار ما شاء من الآباد، وفيها تحرُم عليه الجنّة، ثم يكون حاله كحال أهل الكبائر من الموحّدين، على ما تقدّم. انتهى (?).
وقال القاضي عياض رحمه الله: إنما كَبُرَت هذه المعصية بحسب اليمين الغَمُوس التي هي من الكبائر الموبقات، وتغييرها في الظاهر حكمَ الشرع، واستحلاله بها الحرام، وتصييرها المُحِقَّ في صورة المُبْطِل، والمُبْطِلَ في صورة المُحِقّ، ولهذا عَظُمَ أمرها، وأمرُ شهادة الزور.