أنهم واثبون فيها، فقال: احبسوا أنفسكم، فإنما كنت أضحك معكم"، وهذا كلّه يؤيّد تعدد الواقعة، والله تعالى أعلم.
(فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وفي الرواية التالية: "فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: "لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ") قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا مما عَلِمه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالوحي، وهذا التقييد بيوم القيامة مبيّن للرواية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها.
وقال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَعْنِي أَنَّ الدُّخُول فِيهَا مَعْصِيَة، وَالْعَاصِي يَسْتَحِقّ النَّار، ويَحْتمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد: لَوْ دَخَلُوهَا مُسْتَحِلِّينَ، لَمَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، وَعَلَى هَذَا فَفِي الْعِبَارَة نَوْع مِنْ أَنْوَاع الْبَدِيع، وَهُوَ الاسْتِخْدَام؛ لِأَنَّ الضَّمِير فِي قَوْله: "لَوْ دَخَلُوهَا" لِلنَّارِ الَّتِي أَوْقَدُوهَا، وَالضَّمِير فِي قَوْله: "مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا" لِنَارِ الْآخِرَة؛ لِأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوا مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ قَتْل أَنْفُسهمْ.
وَيَحْتَمِل - وَهُوَ الظَّاهِر - أَنَّ الضمِير لِلنَّارِ التِي أُوقِدَتْ لَهُمْ؛ أَيْ: ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا بِسَبَبِ طَاعَة أَمِيرهمْ، لَا تَضُرّهُمْ، فَأخْبَرَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُمْ لَوْ دَخَلُوا فِيهَا لَاحْتَرَقُوا فَمَاتُوا، فَلَمْ يَخْرُجُوا. انتهى (?).
وقال في "الفتح" أيضًا في "كتاب الأحكام": قوله: "لو دخلوها ما خرجوا منها" قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يُرِيد تِلْكَ النَّار؛ لِأَنَّهُمْ يَمُوتُون بِتَحْرِيقِهَا، فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَحْيَاء، قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالنَّارِ نَار جَهَنَّم، وَلَا أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة: "يَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ إِيمَان"، قَالَ: وَهَذَا مِنْ الْمَعَارِيض الَّتِي فِيهَا مَنْدُوحَة.