وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "رجلًا من الأنصار" ظاهرٌ في أنه ليس عبد الله بن حذافة، فإنه مهاجريّ، وذلك أنصاريّ، فافترقا، وقضيّة عبد الله بن حُذافة هي التي ذَكر منها ابن عبّاس - رضي الله عنهما - طرفًا، كما تقدَّم، فلا معنى لقول من قال: إن هذا الذي حكى عنه عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - هو عبد الله بن حُذافة، وكذلك لا معنى لقول من قال: إن ذلك الأمير إنما أمرهم بدخول النار ليختبر طاعتهم له، وقد قال في هذه الرواية: إنهم أغضبوه، وقال: وسكن غضبه عليهم، فأراد عقوبتهم بذلك، وهذه نصوصٌ أنه إنما حَمَله على ذلك غضبه عليهم. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
واستظهر الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - في "الفتح" تعدَّد القصَّة، وقال ما حاصله: إن التعدّد هو الذي يظهر لي؛ لاختلاف سياقهما، واسم أميرهما، والسبب في أمره بدخولهم النار، قال: ويَحْتَمِل الجمع بينهما بضرب من التأويل، ويُبعده وصف عبد الله بن حُذافة السهميّ القرشيء المهاجريّ بكونه أنصاريًّا، قال: ويَحْتَمِل الحمل على المعنى الأعمّ، أي: أنه نصر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجملة.
وإلى التعدّد جنح ابن القيِّم - رَحِمَهُ اللهُ -، وأما ابن الجوزيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، فقال: قوله: "من الأنصار" وَهَمٌ من بعض الرواة، وإنما هو سهميّ.
قال الحافظ: ويؤيِّده حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عند أحمد في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} الآية [النساء: 59] نزلت في عبد الله بن حُذافة بن قيس بن عديّ، بعثه رسول الله في سريّة. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد اتضح بما ذُكر كلّه أن الأرجح تعدد الواقعة، وأن الرجل المبهم في حديث عليّ - رضي الله عنه - المذكور في الباب ليس هو عبد الله بن حُذافة، وإنما هو رجلٌ آخر من الأنصار - رضي الله عنهم - لَمْ يُعرف اسمه، والله تعالى أعلم.
(فَأَوْقَدَ نَارًا، وَقَمالَ: ادْخُلُوهَا) وفي الرواية التالية: "بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -