(وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ) وفي الرواية التالية: "ومن أطاع أميري فقد أطاعني" بالإضافة، ويمكن - قال في "الفتح" - ردّ اللفظين لمعنى واحد، فإن كلّ من يأمر بحقّ، وكان عادلًا فهو أمير الشارع؛ لأنه تولى بأمره، وبشريعته، ويؤيِّده توحيد الجواب في الأمرين، وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر أنه المراد وقت الخطاب، ولأنه سبب ورود الحديث، وأما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
ووقوعه في هذه الرواية بلفظ المضارع، حيث قال: "ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني" بصيغة المضارعة، أدْخَلُ في إرادة تعميم من خوطب، ومَن جاء مِن بعد ذلك.
(فَقَدْ أَطَاعَنِي)؛ أي: عَمِلَ بما شَرَعته، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَوَجْهُ ذلك أنَّ أمير رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هو مُنَفِّذٌ أَمْرَهُ، ولا يتصرف إلَّا بأمره، فمن أطاعه فقد أطاع أمْر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعلى هذا فكل من أطاع أمير رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد أطاع الرسول؛ ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله، فينتج: أنَّ مَنْ أطاع أمير رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد أطاع الله، وهو حقّ، صحيح، وليس هذا الأمر خاصًّا بمن باشره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتولية الإمارة، بل هو عام في كلّ أمير للمسلمين، عدلٍ، ويلزم منه نقيض ذلك في المخالفة والمعصية. انتهى (?).
(وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي") قال الإمام الشافعيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الإمارة، فكانوا يمتنعون على الأمراء، فقال هذا القول يحثّهم على طاعة من يُؤَمِّرهم عليهم، والانقياد لهم إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولّاهم البلاد، فلا يخرجوا عليهم؛ لئلا تفترق الكلمة.
ووقع عند أحمد، وأبي يعلى، والطبرانيّ من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نفر من أصحابه، فقال: "ألستم تعلمون أن من أطاعني فقد أطاع الله، وأن من طاعة الله طاعتي؟ " قالوا: بلى نشهد، قال: "فإن من طاعتي أن تطيعوا أمراءكم"، وفي لفظ: "أئمتكم".