وقال ابن كيسان: هم أولو العقل، والرأي الذين يدبِّرون أمر الناس. قال القرطبيّ: وأصح هذه الأقوال الأول والثاني، أما الأول فلأن أصل الأمر منهم، والحكم إليهم.
وفي "الصحيحين" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: نزل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} في عبد الله بن حُذافة بن قيس بن عديّ السهميّ؛ إذ بَعَثه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سريّة.
قال أبو عمر: وكان في عبد الله بن حذافة دُعابة معروفة، ومن دعابته أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّره على سريّة فأمرهم أن يجمعوا حطبًا، ويوقدوا نارًا، فلما أوقدوها أمرهم بالتقحم فيها، فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطاعتي؟ ! وقال: "من أطاع أميري فقد أطاعني؟ ".
فقالوا: ما آمنا بالله، واتبعنا رسوله إلَّا لننجو من النار! فصَوَّب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلهم، وقال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، وهو حديث صحيح الإسناد مشهور.
وروى محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمر بن الحكم بن ثوبان أن أبا سعيد الخدريّ قال: كان عبد الله بن حذافة بن قيس السهميّ من أصحاب بدر، وكانت فيه دُعابة.
وذكر الزبير قال: حدثني عبد الجبار بن سعيد عن عبد الله بن وهب، عن الليث بن سعد قال: بلغني أنه حَلَّ حِزَام راحلة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره، حتى كاد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقع، قال ابن وهب: فقلت لليث: ليضحكه؟ قال: نعم كانت فيه دُعابة.
وقال ميمون بن مهران، ومقاتل، والكلبي: "أولو الأمر" أصحاب السرايا.
وأما القول الثاني: فيدل على صحته قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، فأمَر تعالى بردّ المتنازَع فيه إلى كتاب الله وسُنَّة نبيّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس لغير العلماء معرفة كيفية الردّ إلى الكتاب والسُّنَّة، ويدلّ هذا على صحة كون سؤال العلماء واجبًا، وامتثال فتواهم لازمًا، قال سهل بن عبد الله - رَحِمَهُ اللهُ -: