يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا". (لَا يَنْقَضِي)؛ أي: لا ينقطع، ويزول (حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ)؛ أي: في الناس، (اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً) وفي رواية البخاريّ: "يكون اثنا عشر أميرًا". (قَالَ) جابر - رضي الله عنه - (ثُمَّ تَكَلَّمَ)؛ أي: النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيَّ) وفي رواية سفيان التالية: "ثم تكلم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكلمة خَفِيَت عليّ"، ووقع عند أبي داود من طريق الشعبيّ، عن جابر بن سمرة - رضي الله عنهما - سبب خفاء الكلمة المذكورة على جابر، ولفظه: "لا يزال هذا الدين عزيزًا إلى اثني عشر خليفة، قال: فَكَبَّر الناس، وضَجُّوا، فقال كلمة خفيّةً، فقلت لأبي: يا أبت ما قال؟ " فذكره، وفي الرواية الآتية عند مسلم: "صَمَّنيها الناس"؛ أي: أصمّوني منها، فلم أسمعها لكثرة كلامهم، ولَغَطَهم. (قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِي) سمرة، وفي الرواية الآتية: "فسألت أبي"، (مَا قَالَ؟ ) "ما" استفهاميّة؛ أي: أي شيء قَالَ؟ ، وفي رواية البخاريّ: "فقال أبي"، (قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ("كلُّهُمْ)؛ أي: كلّ الخليفة الاثني عشر (مِنْ قُرَيْشٍ") ووقع عند الطبرانيّ في آخر الحديث: "فالتفتّ، فإذا أنا بعمر بن الخطاب، وأبي، في أناس، فأثبتوا إليّ الحديث"، ووقع في حديث أبي جُحيفة عند البزار، والطبرانيّ نحو حديث جابر بن سمرة، بلفظ: "لا يزال أمر أمتي صالحًا"، وأخرجه أبو داود، من طريق الأسود بن سعيد، عن جابر بن سمرة نحوه، وزاد: "فلمّا رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: الهرج"، وأخرج البزار هذه الزيادة من وجه آخَر، فقال فيها: "ثم رجع إلى منزله، فأتيته، فقلت: ثم يكون ماذا؛ قال: الهرج".
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - عند شرح قولِهِ: "لا يزال هذا الأمر عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش": يعني به: أنه لا تزال عزَّةُ دين الإسلام قائمةً إلى اثني عشر خليفة من قريش، وقد اختُلف فيهم على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم خلفاء العَدْلِ؛ كالخلفاء الأربعة، وعمر بن عبد العزيز، ولا بُدَّ من ظهور من يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتُهم في إظهار الحق والعدل، حتى يَكْمُل ذلك العدد، وهو أولى الأقوال عندي.
وثانيها: أنَّ هذا إخبارٌ عن الولايات الواقعة بَعْدَهُ وبَعْدَ أصحابه، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أُمَيَّة، ويعني بالدِّين: المُلك والولاية، وهو شرح