حفص فلم يكن يَدَّعِي أنه من قريش في زمانه، وإنما ادّعاه بعض ولده لمّا غَلَبوا على الأمر، فزعموا أنهم من ذرية أبي حفص عمر بن الخطاب، وليس بيدهم الآن إلا المغرب الأدنى، وأما الأقصى فمع بني الأحمر، وهم منسوبون إلى الأنصار، وأما الأوسط فمع بني مَرِين، وَهُم من البربر.
وأما قوله: فخليفة من مصر، فصحيحٌ، ولكنه لا حَلَّ بيده ولا رَبْط، وإنما له من الخلافة الاسم فقط، وحينئذٍ هو خبر بمعنى الأمر، وإلا فقد خرج هذا الأمر عن قريش في أكثر البلاد.
ويَحْتَمِل حمله على ظاهره، وإن المتغلبين على النظر في أمر الرعية في معظم الأقطار، وإن كانوا من غير قريش، لكنهم معترفون أن الخلافة في قريش، ويكون المراد بالأمر: مجرد التسمية بالخلافة، لا الاستقلال بالحكم، والأول أظهر، والله أعلم. انتهى (?).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "لا يزال هذا الأمر ... إلخ" هذا خبرٌ عن المشروعية؛ أي: لا تنعقدُ الولايةُ الكبرى إلَّا لهم مهما وُجد منهم أحدٌ، وفي حديث آخر: "الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" (?)، وقد استدَلَّ بهذا اللَّفظ، وما في معناه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدِّمُوا قُرَيْشًا، وَلا تَتَقَدَّمُوها" كُبراء أصحاب الشافعيّ - رحمه الله - على ترجيح مذهب الشافعيّ على غيره؛ من حيث إنه قرشيٌّ، ولا حُجَّة فيه؛ لأنَّه لا يصحُّ الاحتجاج به إلَّا حتى تُحْمَل الإمامةُ فيه على العموم في كل شيء يُحتاج إلى الاقتداء فيه، من الإِمامةِ الكُبْرى، وإمامة الفَتْوى، والقضاء، والصَّلاة، وغير ذلك من الولايات، ولا يصح ذلك؛ للإجماع على خِلافِه؛ إذ قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش، ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطْعًا، وقد قدَّم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غير قريش على قريش، فإنه قدَّم زيد بن حارثة، وولده أسامة، ومعاذ بن جبل، وقدَّم سالِمًا مولى أبي حُذيفة على الصلاة بقُباء، فكان يَؤُمُّهُم وفيهم أبو بكر، وعمر، وغيرهم، من كبراء قريش، ثم إن الشافعيّ - رحمه الله - أول من ترك عموم تلك الأخبار، فإنَّه قد اقتدى