النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سالِمًا مولى أبي حذيفة، يؤمّ في مسجد قباء، وفيهم أبو بكر، وعمر - رضي الله عنهم -، وقَدَّم زيد بن حارثة، وابنه أسامة بن زيد، ومعاذ بن جبل، وعمرو بن العاص في التأمير، في كثير من البعوث والسرايا، ومعهم جماعة من قريش.
وتعقبه النوويّ وغيره بأن في الأحاديث ما يدلّ على أن للقرشيّ مزيةً على غيره، فيصحّ الاستدلال به لترجيح الشافعيّ على غيره، وليس مراد المستدلّ به أن الفضل لا يكون إلا للقرشيّ، بل المراد أن كونه قرشيًّا من أسباب الفضل والتقدم، كما أن من أسباب الفضل والتقدم: الورعَ، والفقهَ، والقراءةَ، والسنّ، وغيرها، فالمستوِيان في جميع الخصال إذا اختصّ أحدهما بخصلة منها دون صاحبه ترجّح عليه، فيصحّ الاستدلال على تقديم الشافعيّ على من ساواه في العلم والدِّين من غير قريش؛ لأن الشافعي قرشيّ.
قال الحافظ: وعَجَبٌ قول القرطبيّ في "المفهم" بعد أن ذَكر ما ذَكره عياض أن المستدلّ بهذه الأحاديث على ترجيح الشافعيّ صَحِبَته غَفْلةٌ قارنها من صميم التقليد طيشه، كذا قال، ولعل الذي أصابته الغفلة مَن لم يفهم مراد المستدِلّ، والعلم عند الله تعالى. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما قاله القاضي عياض، وتبعه القرطبيّ هو الحقّ؛ للأدلّة التي أوردها، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدِّموا قريشًا، ولا تَقَدّموها" لو كان على عمومه لَمَا قدّم - صلى الله عليه وسلم - سالِمَا مولى أبي حُذيفة في الصلاة على غيره من الصحابة القرشيين، وكذا تأميره زيد بن حارثة، وابنه أسامة،