المراد بتقديم قريش على غيرها إنما هو في الخلافة، بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - قدّم عليها غيرها ممن ليس منها، بل من الموالي، فقد قدّم زيد بن حارثة، وابنه أسامة، فأمّرهما على جيش فيه أكابر قريش، كأبي بكر، وعمر - رضي الله عنهما -، وقدّم سالِمًا مولى أبي حذيفة - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة على سائر المهاجرين والأنصار، وغير ذلك، فعُلم من هذا أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قدّموا قريشًا، ولا تَقَدّموها" محمول على الخلافة فقط، وسيأتي تمام البحث في المسألة الثالثة - إن شاء الله تعالى -.

وقوله: (فِي هَذَا الشَّأْنِ)؛ أي: في شأن الخلافة، وقوله: (مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ) مبتدأ وخبره، وكذا قوله: (وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهمْ")؛ يعني: أن مُسْلِمَ الناس تَبَعٌ لمسلم قريش، وكافرهم تَبَع لكافرهم، فهم الرؤساء جاهليّةً وإسلامًا، قال في "الفتح": وقع مِصداق ذلك؛ لأن العرب كانت تُعَظِّم قريشًا في الجاهلية بسكناها الحرم، فلقا بُعِث النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ودعا إلى الله توقّف غالب العرب عن اتّباعه، وقالوا: ننظر ما يصنع قومه، فلما فَتَحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مكة، وأسلمت قريش تبعتهم العرب، ودخلوا في دين الله أفواجًا، واستمرّت خلافة النبوة في قريش، فصَدَق أن كافرهم كان تبعًا لكافرهم، وصار مسلمهم تبعًا لمسلمهم. انتهى (?).

وقال في "العمدة": قال الخطابيّ: يريد بقوله: "تبع لقريش" تفضيلَهم على سائر العرب، وتقديمهم في الإمارة، وبقوله: "مسلمهم تبع لمسلمهم" الأمرَ بطاعتهم؛ أي: من كان مسلمًا فليَتْبَعهم، ولا يَخْرُج عليهم، وأما معنى: "كافرهم تبع لكافرهم" فهو إخبار عن حالهم في متقدِّم الزمان؛ يعني: أنهم لم يزالوا متبوعين في زمان الكفر، وكانت العرب تُقدِّم قريشًا، وتعظّمهم، وكانت دارهم مَوسمًا، ولهم السِّدَانة، والسِّقاية، والرِّفادة، يسقون الحجيج، ويُطعمونهم، فحازوا به الشرف، والرياسة عليهم، ويريد بقوله: "خيارهم إذا فَقِهوا" أن من كانت له مَأثرةٌ، وشَرَف في الجاهلية، وأسلم، وفَقِه في الدِّين، فقد أحرز مأثرته القديمة، وشَرَفه الثابت إلى ما استفاده من المزية بحقّ الدين، ومن لم يُسلم فقد هَدَم شرفه، وضَيَّع قديمه، ثم أَخبر أن خِيار الناس هم الذين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015