فيما يوسوس بحجة يجد مسلكًا آخر إلى ما ينفيه من المغالطة والتشكيك، وأدنى ما يُفيده من الاسترسال في ذلك إضاعة الوقت، فلا تدبير في دفع ذلك أقوى، وأحسن من الاستعاذة بالله تعالى، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} الآية [الأعراف: 200].
[وثانيهما]: أن السبب في اعتوار أمثال ذلك احتباس المرء في عالم الحسّ، وما دام كذلك لا يزيده فكره إلا انهماكًا في الباطل، وزَيْغًا عن الحقّ، ومن كان هذا حاله فلا علاج له إلا الالتجاء إلى الله تعالى؛ للاعتصام بحوله وقوّته بالمجاهدة والرياضة، فإنهما مما يُزيل البلادة، ويُصفّي الذهن، ويزكّي النفس (?). انتهى كلام الطيبيّ، وهو كلام حسنٌ. وقال النوويّ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليستعذ بالله، ولينته": معناه: إذا عَرَض له هذا الوسواس، فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه، ولْيُعْرِض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فلْيُعْرِض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:
[353] ( ... ) - (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْث، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَأْتِي الْعَبْدَ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ "، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ).
رجال هذا الإسناد: سبعة:
1 - (عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ) الْفَهْميّ مولاهم، أبو عبد الله المصريّ، ثقةٌ [11] (ت 248) (م د س) تقدم في "الإيمان" 26/ 211.