(أَتَيْتُ شَجَرَةً، فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا، ثُمَّ رَمَيْتُهُ)؛ أي: الفارس، (فَعَقَرْتُ بِهِ)؛ أي: قتلت فرسه، (حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ) التضايق: ضدّ الاتّساع؛ أي: تدانى، وقرُب. (فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ)؛ أي: في المحلّ المتضايق منه بحيث يَستترون به عنه، فصار لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام. (عَلَوْتُ الْجَبَلَ)؛ أي: صعدت فيه، (فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ)؛ أي: أرميهم بالحجارة التي تُسقطهم، وتُنزلهم؛ يعني: أنه لمّا امتنع عليه رميهم بالسهام عدل عنه إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تُسقطهم، وتهوّرهم، يقال: رَدّى الفرس راكبه: إذا أسقطه، وهَوَّره. (قَالَ) سلمة (فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ تبَعُهُمْ، حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ بَعِيرٍ) "من" هنا زائدة أُتي بها لتأكيد العموم، وقد يؤتى بها للتنصيص على العَموم في نحو: ما رأيتُ من رجل، فإنه قَبْل دخولها يَحْتَمِلُ نفي الجنس، ونفي الوحدة، ولهذا يصحّ أن يقال: بل رجلين، وبعد دخولها تعيّن لنفي عموم الرجال، وإنما سُمّيت زائدةً؛ لأن الكلام يستقيم بدونها، فيصحّ أن يقال: حتى ما خلق الله بعيرًا (?)، وأما "من" في قوله: (مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فهي بيانيّة، والمعنى: أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كلّ بعير أخذوه، من إبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي)؛ أي: تركته ورائي، يريد: أنه جعله في حَوْزته، وحَالَ بينهم وبينه، كما قال: (وَخَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَهُ)؛ أي: كان له خالصًا لا ينازعه منهم أحد. (ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ) هكذا هو في أكثر النسخ: "اتّبعتهم" بهمزة الوصل، وتشديد التاء، وفي نسخة: "ثمّ أَتْبَعتهم" بهمزة القطع، وهي أشبه بالكلام، وأجْوَد موقعًا فيه، وذلك أن "تَبعَ" المجرّد، و"اتّبعه" المشدّد التاء بمعنى: مشى خلفه على الإطلاق، وأما "أتبع" الرباعيّ، فمعناه: لَحِقَ به بعد أن سبقه، قيل: ومنه قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} [طه: 78]؛ أي: لَحِقهم مع جنوده بعد أن سبقوه، وتعبيره هنا بـ "ثُمّ" المفيدة للتراخي يُشعر أنه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل، توقّف عن اتّباعهم، ولعلّ ذلك ريثما جَمَعَ الإبل، وأقامها على طريقٍ يَأْمَن عليها فيه، والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقّفتُ عن اتّباعهم حتى سبقوني تَبِعْتُهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015