المطوّل": "أمِنَ" يتعدّى، ولا يتعدّى. وقال بعض المحقّقين: الإيمان يتعدّى بنفسه، كصَدّق، وباللام باعتبار معنى الإذعان، وبالباء باعتبار معنى الاعتراف، إشارةً إلى أن التصديق لا يُعتبر بدون اعتراف. وقد يكون الإيمان بمعنى الثقة، يتعدّى بالباء، بلا تضمين. قاله البيضاويّ. انتهى "تاج العروس" 9/ 125.
وقال الراغب الأصفهانيّ رحمه الله تعالى: آمن إنما يقال على وجهين:
[أحدهما]: متعدٍّ بنفسه، يقال: آمنته: أي جعلت له الأمن، ومنه قيل لله: مؤمن.
[والثاني]: غير متعدّ، ومعناه صار ذا أمن.
والإيمان يُستعمل تارةً اسمًا للشريعة التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى ذلك: {الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ... } الآية [المائدة: 69]، ويوصف به كلّ من دخل في شريعته، مُقرًّا بالله، وبنبوّته، قيل: وعلى هذا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106].
وتارة يُستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحقّ على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح، وعلى هذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} الآية [الحديد: 19]. ويقال لكلّ واحد من الاعتقاد، والقول الصدق، والعلم الصالح: إيمان، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أي صلاتكم، وجُعل الحياء، وإماطة الأذى من الإيمان. قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17] قيل: معناه: بمصدّق لنا، إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]، فذلك مذكور على سبيل الذمّ لهم، وأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن، إذ ليس من شأن القلب - ما لم يكن مطبوعًا عليه - أن يطمئنّ إلى الباطل، وإنما ذلك كقوله تعالى: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106]، وهذا كما يقال: إيمانه الكفر، وتحيّته الضرب، ونحو ذلك. وجعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصل الإيمان ستة أشياء في خبر جبريل، حيث سأله، فقال: ما الإيمان؟ والخبر معروف. انتهى "مفردات ألفاظ القرآن" ص 91 - 92.