فغرض أبي جهل التبجّح، والافتخار بقتله، وأنه لا يراه عارًا عليه؛ لأن قومه قتلوه.
[والثاني]: أنه يريد بهذا الكلام التأسّف، والتحزّن حيث قتله غير كفئه، وهو الأنصار، وهذا هو ظاهر ما فسّر به القاضي عياض - رحمه الله -، وعبارته: "أي: هل عليّ عارٌ، غير قتلكم إياي"، ومعناه: أنه يرى أن لا عار عليه إلا قتلهم له؛ أي: فقَتْلهم له عار عليه، لا شرف له، وهو عكس المعنى السابق، ويؤيّد هذا التفسير ما يأتي في رواية أبي مِجْلَز، حيث قال: "فلو غيرُ أكّار قتلني"، والمعنى الأول أنسب للفظ: "فوق"، فتأمله، والله تعالى أعلم.
وقوله: (أَوْ قَالَ: قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ ) "أو" هنا للشكّ من الراوي، وهو سليمان التيميّ، فقد أخرج الحديث البخاريّ في "المغازي" من طريق ابن عُليّة، حدّثنا سليمان التيميّ، حدّثنا أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "من يَنظُر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود، فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فقال: آنت أبا جهل؟ قال ابن علية: قال سليمان: هكذا قالها أنس، قال: أنت أبا جهل، قال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ ، قال سليمان: أو قال: قتله قومه"، الحديث.
(قَالَ) وفي رواية البخاريّ: "قال سليمان - أي: التيميّ -"، (وَقَالَ أبو مِجْلَزٍ) بكسر الميم، وإسكان الجيم، وفتح اللام، آخره زاي، هو لاحق بن حُميد بن سعيد السّدُوسيّ البصريّ، مشهور بكنيته، من كبار [3] (ت 6 أو 109) (ع) تقدم في "المساجد ومواضع الصلاة" 56/ 1547. (قَالَ أبو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي؟ ) قال في "الفتح": هذا - يعني: قول أبي مِجْلَز - مرسل، و"الأَكَّار" - بتشديد الكاف -: الزّرّاع (?)، وعَنَى بذلك أن الأنصار أصحاب زرع، فأشار إلى تنقيص من قَتَله منهم بذلك.
وحاصل ما أشار إليه أبو جهل أن الأنصار أهل فِلاحة، وكان معوّذ