حِلّه؛ لأن الاعتبار بدين الذابح، لا بدين أبيه، بدليل أن الاعتبار في قبول الجزية بذلك، ولعموم النص والقياس.
قال: فأما ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم، فننظر فيه، فإن ذبحه لهم مسلم، فهو مباح، نُصَّ عليه. وقال أحمد، وسفيان الثوري، في المجوسي يذبح لإلهه، ويدفع الشاة إلى المسلم يذبحها، فيسمي: يجوز الأكل منها، وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عما يُقَرَّب لآلهتهم، يذبحه رجل مسلم؟ قال: لا بأس به، وإن ذبحها الكتابي، وسمّى الله وحده، حَلَّت أيضًا؛ لأن شَرْط الحِلّ وُجد، وإن عُلم أنه ذَكَر اسم غير الله عليها، أو ترك التسمية عمدًا لم تَحِل. قال حَنْبَل: سمعت أبا عبد الله قال: لا يؤكل - يعني ما ذُبِح لأعيادهم وكنائسهم؛ لأنه أُهِلّ لغير الله به. وقال في موضع: يَدَعُون التسمية على عمد، إنما يذبحون للمسيح، فأما ما سوى ذلك، فرُويت عن أحمد الكراهة فيما ذُبح لكنائسهم، وأعيادهم مطلقًا، وهو قول ميمون بن مهران؛ لأنه ذُبح لغير الله، وروي عن أحمد إباحته. وسُئل عنه العرباض بن سارية؛ فقال: كلوا، وأطعموني. وروي مثل ذلك عن أبي أمامة الباهليّ، وأبي مسلم الخولانيّ، وأكله أبو الدرداء، وجبير بن نفير، ورخَّص فيه عمرو بن الأسود، ومكحول، وضمرة بن حبيب؛ لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، وهذا من طعامهم، قال القاضي: ما ذبحه الكتابي لعيده، أو نجم، أو صنم، أو نبي، فسمّاه على ذبيحته حَرُم؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} الآية [المائدة: 3]، وإن سمّى الله وحده حَلّ؛ لقول الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الآية [الأنعام: 118]، لكنه يُكره؛ لِقَصْده بقلبه الذبح لغير الله. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي القول بحِلّ ذبائح أهل الكتاب على الإطلاق هو الأرجح؛ لإطلاق النصّ بذلك، دون تفصيل؛ فإن الله تعالى في الوقت الذي أخبرنا بأن أهل الكتاب بدّلوا، وغَيَّرُوا، فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} الآية [التوبة: 30]، وقال: