(فَقَاسَمَهُمُ الأَنْصَارُ) قال في "الفتح": ظاهره مغاير لقوله في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قالت الأنصار للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: اقسِمْ بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: "لا"، والجمع بينهما أن المراد بالمقاسمة هنا: القسمة المعنوية، وهي التي أجابهم إليها في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، حيث قال: قالوا: فيكفوننا المؤنة، ونُشركهم في الثمر، فكان المراد هنا: مقاسمة الثمار، والمنفيّ هناك: مقاسمة الأصول (?).
قال: وزعم الداوديّ، وأقره ابن التين أن المراد بقوله هنا: "قاسمهم الأنصار"؛ أي: حالفوهم، جعله من القَسَم - بفتح القاف، والمهملة - لا من القَسْم - بسكون المهملة - وفيه نظر لا يخفى (?).
وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: قال العلماء: لَمّا قَدِمَ المهاجرون آثرهم الأنصار بمنائح من أشجارهم، فمنهم من قَبِلها منيحة محضةً، ومنهم من قَبِلها بشرط أن يعمل في الشجر، والأرض، وله نصف الثمار، ولم تَطِب نفسه أن يقبلها منيحةً محضةً؛ لشرف نفوسهم، وكراهتهم أن يكونوا كَلًّا، وكان هذا مساقاة، أو في معنى المساقاة، فلما فُتِحت عليهم خيبرُ استغنى المهاجرون بأنصبائهم فيها عن تلك المنائح، فرَدّوها إلى الأنصار. انتهى (?).
(عَلَى أَنْ أَعْطَوْهُمْ)؛ أي: أعطى الأنصارُ المها جرين، (أَنْصَافَ ثِمَارِ أَمْوَالِهِمْ كُل عَامٍ) منصوب على الظرفيّة، (وَيَكْفُونَهُمُ الْعَمَلَ)؛ أي: يكفي المهاجرون الأنصارَ العمل في أراضيهم، ونخلاتهم. (وَالْمَئُونَةَ)؛ أي: ثِقَلهم، وتكاليفهم، قال الفيّوميّ رَحِمَهُ اللهُ: "المَئُونَة": الثِّقَلُ، وفيها لغات: إحداها: على "فَعُولة" - بفتح الفاء، وبهمزة مضمومة - والجمع مَئُونات، على لفظها، ومَأَنْتُ القومَ أَمْأَنُهُمُ - مهموز، بفتحتين - واللغة الثانية: "مُؤنَةٌ" - بهمزة ساكنة - قال الشاعر:
أَمِيرُنَا مُؤْنَتُهُ خَفِيفَةٌ
والجمع: مُؤَنٌ، مثل: غُرْفة وغُرَف، والثالثة: "مَوْنَةٌ" بالواو، والجمع: