بتسكين راء {يُشْعِرُكُمْ} "، ويَأْمُرُكُمْ}، و {يَنْصُرُكُمْ}، وكقراءة غيره: {وَبُعُولَتُهُنَّ}، و {رُسُلنُا} بتسكين التاء، واللام، فلو لَمْ تعامَل النون بما عُوملت الضمّة من الحذف لمجرَّد التخفيف، لكان في ذلك تفضيل النائب على المنوب عنه.
ومِن حَذْفها لمجرّد التخفيف قراءة الحسن: (يوم يُدْعَوْا كلّ أناس بإمامهم)، وقراءة يحيى بن الحارث الذماريّ: (قالوا ساحران تظّاهرا)، والأصل قالوا: أنتما ساحران تتظاهران، فحُذف المبتدأ، ونون الرفع، وأُدغم التاء في الظاء، وفي قراءة الحسن أيضًا شاهد للغة "أكلوني البراغيث".
ومِنْ حَذْف النون لمجرّد التخفيف ما رواه البغوي من قول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا"، والأصل: "لا تدخلون"، وما ذكره أبو الفرج في "جامع المسانيد" من قول وفد عبد القيس: "وأصبحوا يعلّمونا كتاب الله".
ومن استعمال هذا الحذف في النظم قول أبي طالب [من الطويل]:
فَإِنْ سَرَّ قَوْمًا بَعْضُ مَا قَدْ صَنَعْتُمُوا ... سَتَحْتَلِبُوهَا لَاقِحًا غَيْرَ نَاهِلِ
ومثله قول الراجز:
أَبِيتُ أَسْرِي وَتَبِيتِي تَدْلُكِي ... وَجْهَكِ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذَّكِي
انتهى كلام ابن مالك - رَحِمَهُ اللهُ - (?)، وهو بحثٌ مهمّ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(فَمَا تَرَى؟ ) "ما" استفهاميّة؛ أي: فأيَّ حكم ترى في ذلك؟ (فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ، فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا) بوصل الهمزة، وفتح الموحّدة، من القبول، من باب تَعِبَ.
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فاقبلوا" هذا أمر على جهة النَّدب للضيف بالقبول، فحقه ألا يُردَّ لما فيه مِمَّا يؤدي إلى أذى المضيف بالامتناع من إجابة دعوته، وغَمِّ قلبه بترك أكل طعامه، ولأنه ترك العمل بمكارم الأخلاق، وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ فليُجِب عُرسًا كان أو غيره". انتهى (?).
(فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا) وفي رواية البخاريّ: "فإن أبوا"، (فَخُذُوا مِنْهُمْ) وللكشميهنيّ: "فخذوا منه"؛ أي: من مالهم، (حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ")؛