بالقسم الأول، وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّ ما تَشَوَّف النفسُ إليه فالغالب أن صاحبه يطلبه، فلا بدَّ من تعريفه، لكنه لا ينتهي التعريف فيه إلى السَّنة؛ لأنَّ صاحبه لا يستديم طَلَبه فيها غالبًا، فحينئذ تضيع استدامة التعريف.
[فإن قيل]: فقد جاء في كتاب أبي داود من حديث جابر - رضي الله عنه -: رخَّص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السوط، والعصا، والحبل، وأشباهه، يلتقطه الرَّجل ينتفع به، وظاهره: أنه لا يحتاج مثل هذا إلى تعريف.
[فالجواب]: أن هذا لا يصحُّ رفعه؛ لأنَّه من رواية المغيرة بن زياد، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -، وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -، قال: كانوا، ولم يذكر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والمغيرة بن مسلم أصلح حديثًا، وأصح من حديث المغيرة بن زياد. هكذا قاله أبو محمد عبد الحقّ.
قال القرطبي: مع أن حديث أبي الزبير عن جابر لا يؤخذ منه إلا ما ذَكر فيه سماعه منه؛ لأنَّه كان يُدلس في حديث جابر، ولم يذكر سماعه في هذا الحديث، سلّمنا صحته، لكنه يَحْتَمِل أن تكون هذه الإباحة بعد التعريف، ويعتضدُ هذا بما رواه أبو محمد بن أبي حاتم عن حُكيمة بنت غيلان عن أبيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من التقط القطة يسيرة، درهمًا، أو حبلًا، أو شبه ذلك؛ فليعرّفه ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرِّفه ستة أيام" (?)، وأصح من هذا وأحسن ما خرَّجه النسائي عن عياض بن حمار المجاشعيّ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أخذ لقطة فليُشهد ذوي عدل، وليحفظ عفاصها، ووكاءها، ولا يكتم، ولا يُغيِّب، فإن جاء صاحبها، فهو أحقّ بها، وإن لم يجئْ صاحبها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء" (?)، وهذا عامّ في كل لُقطة.
وقوله: "فليشهد ذوي عدلٍ"؛ أمرٌ للملتقط بأن يُشهد على نفسه بأنه وجد