(إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا)؛ أي: فيكون الذهب لك، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ) قال في "الفتح": ظاهره أنهما حكّماه في ذلك، لكن في حديث إسحاق بن بشر التصريح بأنه كان حاكمًا منصوبًا للناس، فإن ثبت ذلك فلا حُجّة فيه لمن جوّز للمتداعيين أن يُحَكِّما بينهما رجلًا، وينفذ حكمه، وهي مسألة مختلَف فيها، فأجاز ذلك مالك، والشافعيّ بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم، وأن يحكم بينهما بالحقّ، سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا، واستثنى الشافعيّ الحدود، وشرط أبو حنيفة أن لا يخالف ذلك رأي قاضي البلد.
قال الجامع عفا الله عنه: مسألة التحكيم سيأتي بحثها قريبًا.
قال: وجزم القرطبيّ بأنه لم يصدر منه حكم على أحد منهما، وإنما أصلح بينهما؛ لِمَا ظهر له أن حكم المال المذكور حكم المال الضائع، فرأى أنهما أحقّ بذلك من غيرهما؛ لِمَا ظهر له من ورعهما، وحُسْن حالهما، وارتجى من طيب نسلهما، وصلاح ذريتهما.
قال: ويردّه ما جزم به الغزاليّ في "نصيحة الملوك" أنهما تحاكما إلى كسرى، فإن ثبت هذا ارتفعت المباحث الماضية المتعلقة بالتحكيم؛ لأن الكافر لا حجة له فيما يحكم به.
قال الجامع عفا الله عنه: عجيب من صاحب "الفتح" كيف يردّ على القرطبيّ بجزم الغزاليّ؟ فهل الغزاليّ ذَكَر ذلك بسند صحيح؟ كلّا، والله المستعان.
قال: ووقع في روايته عن أبي هريرة: "لقد رأيتنا يكثر تَمَارينا ومنازعتنا عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أيهما أكثر أمانة؟ ".
(فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: ألَكُمَا وَلَدٌ؟ ) - بفتح الواو واللام - والمراد الجنس؛ لأنه يستحيل أن يكون للرجلين جميعًا ولد واحد، والمعنى: ألكل منكما ولد؟ ويجوز أن يكون قوله: "ألكما وُلْدٌ؟ " - بضم الواو، وسكون اللام - وهي صيغة جمع؛ أي: أولاد، ويجوز كسر الواو أيضًا في ذلك، قاله في "الفتح" (?).