وبأن فتيا النبيّ وحكمه سواء، في وجوب تنفيذ ذلك. وقال الداوديّ: إنما كان منهما على سبيل المشاورة، فوضح لداود صحة رأي سليمان فأمضاه. قال ابن الجوزيّ: استويا عند داود عليه السلام في اليد، فقدّم الكبرى للسنّ.

وتعقّبه القرطبيّ، وحَكَى أنه قيل: كان من شرع داود عليه االسلام أن يحكم للكبرى، قال: وهو فاسد؛ لأن الكبير والصغر وصف طرديّ، كالطول والقصر، والسواد والبياض، ولا أثر لشيء من ذلك في الترجيح، قال: وهذا مما يكاد يُقطع بفساده، قال: والذي ينبغي أن يقال: إن داود عليه السلام قضى به للكبرى؛ لسببٍ اقتضى به عنده ترجيح قولها؛ إذ لا بينة لواحدة منهما، وكونه لم يُعَيَّن في الحديث اختصارًا لا يلزم منه عدم وقوعه، فيَحْتَمِل أن يقال: إن الولد الباقي كان في يد الكبرى، وعجزت الأخرى عن إقامة البينة، قال: وهذا تأويل حسن، جارِ على القواعد الشرعية، وليس في السياق ما يأباه، ولا يمنعه.

[فإن قيل]: فكيف ساغ لسليمان عليه السلام نقض حكمه؟ .

[فالجواب]: أنه لم يَعْمِد إلى نقض الحكم، وإنما احتال بحيلة لطيفة، أظهرت ما في نفس الأمر، وذلك أنهما لمّا أخبرتا سليمان بالقصة، فدعا بالسكين؛ ليشفه بينهما، ولم يعزم على ذلك في الباطن، وإنما أراد استكشاف الأمر، فحصل مقصوده لذلك لجزع الصغرى الدالّ على عظيم الشفقة، ولم يلتفت إلى إقرارها بقولها: هو ابن الكبرى؛ لأنه عَلِمَ أنها آثرت حياته، فظهر له من قرينة شفقة الصغرى، وعدمها في الكبرى، مع ما انضاف إلى ذلك من القرينة، الدالة على صدقها ما هَجَم به على الحكم للصغرى، ويَحْتَمِل أن يكون سليمان عليه السلام ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه، أو تكون الكبرى في تلك الحالة، اعترفت بالحقّ، لَمّا رأت من سليمان عليه السلام الجد والعزم في ذلك.

ونظير هذه القصة: ما لو حكم حاكم على مُدَّع مُنكِر بيمين، فلما مضى لِيُحَلِّفه حضر من استخرج من المُنكِر ما اقتضى إقراره، بما أراد أن يحلف على جحده، فإنه والحالة هذه يُحكم عليه بإقراره، سواء كان ذلك قبل اليمين أو بعدها، ولا يكون ذلك من نقض الحكم الأول، ولكن من باب تبدّل الأحكام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015