لوقوعه عند جميع المسلمين، لم يخالف فيه سوى شِرْذِمة يسيرة من الروافض ونحوهم، كما أن رضا الرقيق بالعتق غير معتبَر، ولو تضرر به، ولكن إذا تضررت المرأة بذلك، وكان قد بقي شيء من طلاقها أمر الزوج بارتجاعها، كما أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر بارتجاع زوجته؛ تلافيًا منه لضررها، وتلافيًا منه لِمَا وقع منه من الطلاق المحرَّم، حتى لا تصير بينونتها منه ناشئة عن طلاق محرَّم، وليتمكن من طلاقها على وجه مباح، فتحصل إبانتها على هذا الوجه.
وقد رُوي عن أبي الزبير، عن ابن عمر - رضي الله عنها - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ردَّها عليه، ولم يرها شيئًا. وهذا مما تفرد به أبو الزبير عن أصحاب ابن عمر كلهم، مثل ابنه سالم، ومولاه نافع، وأنس، وابن سيرين، وطاوس، ويونس بن جبير، وعبد الله بن دينار، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران، وغيرهم.
وقد أنكر أئمة العلماء هذه اللفظة على أبي الزبير، من المحدثين، والفقهاء، وقالوا: إنه تفرد بما خالف الثقات، فلا يقبل تفرده، فإن في رواية الجماعة عن ابن عمر ما يدل على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حَسَب عليه الطلقة، من وجوه كثيرة، وكان ابن عمر يقول لمن سأله عن طلاق المرأة في الحيض: إن كنت طلقت واحدة أو اثنتين، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني بذلك؛ يعني: بارتجاع المرأة، وإن كنت طلقتها ثلاثًا، فقد عصيت ربك، وبانت منك امرأتك.
وفي رواية أبي الزبير زيادة أخرى، لم يتابَع عليها، وهو قوله: ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1]، ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن ابن عمر، وإنما رَوَى عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أنه كان يتلو هذه الآية عند روايته للحديث، وهذا هو الصحيح.
وقد كان طوائف من الناس يعتقدون أن طلاق ابن عمر كان ثلاثًا، وأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما رَدّها عليه؛ لأنه لم يوقع الطلاق في الحيض، وقد روى ذلك عن أبي الزبير أيضًا، من رواية معاوية بن عمار الدُّهْنِيّ عنه، فلعل أبا الزبير اعتقد هذا حقًّا، فروى تلك اللفظة بالمعنى الذي فهمه.
ورَوَى ابنُ لهيعة هذا الحديث عن أبي الزبير، فقال عن جابر: إن ابن عمر طلق امرأته، وهي حائض، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ليراجعها، فإنها امرأته"،